قَتَل صاحبَه فالمائدةُ له، فقال رجلٌ من أصحاب موسى: ما هذه المائدة؟ فأخبِر عنها، فسكت، فقال صاحب موسى: لآكلنّ ما على هذه المائدة، ولأبارزنّ فارسَ الصُّغْد، فإن قتلتُه كنتُ فارسَهم. فجلس فأكل ما عليها، وقيل لصاحب المائدة، فجاء مُغضَبًا، فقال: يا عربيّ، بارِزْني، قال: نعم، وهل أريدُ إلا المُبارزَة! فبارَزَه فقتَله صاحب موسى، فقال مَلِك الصّغد: أنزلتُكم وأكرمتُكم فقتلتم فارسَ الصّغد! لولا أنّي أعطيتُك وأصحابَك الأمان لقتلتُكم، اخرُجوا عن بلدي، ووَصله.
فخرج موسى فأتى كِسّ فكَتَب صاحبَ كِس إلى طرخون يستنصرِه، فأتاه، فخرج إليه موسى في سبعِمئة فقاتَلَهم حتى أمسَوْا، وتحاجَزوا وبأصحاب موسى جراحٌ كثيرة، فلما أصبحوا أمرهم موسى فحلّقوا رؤوسَهم كما يَصنَع الخوارج، وقطعوا صفِنات أخبيتهم كما يصنع العجَم إذا استماتوا.
وقال موسى لزُرْعة بن علقمة: انطلِق إلى طَرْخون فاحتلْ له، فأتاه، فقال له طرخون: لِمَ صَنَع أصحابُك ما صنَعوا؟ قال: استقتلوا فما حاجتك إلى أن تَقتل أيّها الملك موسى وتُقتَل! فإنك لا تصل إليه حتى يقتَل مِثل عدّتهم منكم، ولو قتلتَه وإياهم جميعًا ما نلت حظًّا, لأنّ له قَدْرًا في العرَب، فلا يلي أحدٌ خُراسان إلا طالبَك بدمه، فإن سلمتَ من واحد لم تَسلَمَ من آخَر؛ قال: ليس إلى تَرْك كِسّ في يده سبيل؛ قال: فكُفّ عنه حتى يَرتحِل، فكفّ وأتى موسى التِّرْمِذ وبها حصن يشُرِف على النهر إلى جانب منه، فنزل موسى على بعض دهاقين التّرمِذ خارجًا من الحِصن والدِّهقان مُجانِب لِترْمذشاه، فقال لموسى: إن صاحبَ التِّرمِذ متكرّم شديدُ الحياء، فإن ألطفْتَه وأهَديْت إليه أدخلَك حِصنَه، فإنه ضعيف، قال: كلّا، ولكنّي أسألُه أن يُدخِلني حِصنَه، فسأله فأبَى، فماكَرَهُ موسى وأهدى له، وألطَفَه، حتّى لطف الذي بينهما، وخرج فتصيّد معه، وكثر إلطاف موسى له، فصنع صاحبُ الترمذي طعامًا وأرسل إليه: إنّي أحِبّ أن أكرِمَك، فتغدَّ عندي، وائتني في مئة من أصحابك، فانتخَب موسى من أصحابه مئةً، فدخلوا على خُيولهم، فلما صارت في المدينة تصاهَلَتْ، فتطيّر أهلُ الترْمذ وقالوا لهم: انزِلوا، فنَزَلوا فأدخلوا بيتًا خمسين في خمسين، وغدّوهم.
فلما فرَغُوا من الغَداء اضطجع موسى، فقالوا له: اخرُج، قال: لا أصيب