مَنزِلًا مِثلَ هذا، فلستُ بخارج منه حتى يكون بيتي أو قَبْري. وقاتَلُوهم في المدينة، فقُتِل من أهلِ الترِمذ عدّة، وهرب الآخرون فدخلوا منازلهم، وغلب موسى على المدينة، وقال الترمذشاه: اخرج، فإنّي لستُ أعرِض لك ولا لأحد من أصحابك، فخرج المَلِك وأهلُ المدينة فأتَوا الترْكَ يستنصرونهم، فقالوا: دخل إليكم مئةَ رجل فأخرَجوكم عن بلادكم، وقد قاتلناهم بِكسّ، فنحن لا نقاتل هؤلاء، فأقام ابن خازم بالتِّرمِذ، ودخل إليه أصحابُه، وكانوا سبعمئة، فأقام، فلمّا قُتِل أبوه انضمّ إليه من أصحاب أبيه أربعمئة فارس، فقوي، فكان يخرج فيُغير على مَن حولَه، قال: فأرسل الترك قومًا إلى أصحاب موسى ليعلموا عِلمَه، فلما قَدِموا قال موسى لأصحابه: لا بدّ من مَكيدة لهؤلاء - قال: وذلك في أشدّ الحرّ - فأمر بنار فأجِّجَتْ، وأمَرَ أصحابَه فَلبسوا ثيابَ الشتاء، ولبسوا فوقَها لُبِودًا، ومدُّوا أيديَهم إلى النار كأنهم يصطَلُون، وأذن موسى للترك فدخلوا، ففزِعوا ممّا رأَوا، وقالوا: لمَ صنعتم هذا؟ قالوا: نجد البَرْد في هذا الوقت، ونجد الحرّ في الشتاء، فرجعوا وقالوا: جِنٌّ لا نُقاتِلهم، قال: وأراد صاحبُ الترك أن يغزوَ موسى، فوجّه إليه رُسُلًا، وبعث بسمّ ونُشّاب في مسك، وإنما أراد بالسمّ أنّ حربَهم شديدة، والنشّاب الحرب، والمسك السلم، فاخترْ الحربَ أو السلم، فأحرق السمّ، وكسر النشاب، ونثر المِسْك، فقال القوم: لم يريدوا الصّلح، وأخبر أنّ حربهم مثل النار، وإنه يَكْسرُنا فلم يَغزُهم.
قال: فولي بُكيْرُ بن وشاح خُراِسانَ فلم يَعرِضَ له، ولم يوجّه إليه أحدًا، ثمّ قدم أميّة فسار بنفسِه يريدُه، فخالَفه بكير، وخلع، فرجع إلى مرْو، فلما صالح أمية بكيرًا أقام عامَه ذلك، فلما كان في قابِل وجّه إلى موسى رجلًا من خُزاعَة في جَمع كثير، فعاد أهلُ الترمذ إلى الترك فاستنصَروهم فأبَوا، فقالوا لهم: قد غزاهم قومٌ منهم وحصروهم، فإنْ أعنّاهم عليهم ظفِرْنا بهم، فسارت الترْك مع أهل الترْمذ في جمع كثير، فأطاف بموسَى الترك والخُزَاعيّ، فكان يُقاتِل الخُزاعيّ أول النهار والتركَ آخِر النهار، فقاتَلَهم شهرين أو ثلاثة، فقال موسى لعمرو بن خالد بن حصين الكلابيّ - وكان فارسًا: قد طال أمرُنا وأمرُ هؤلاء، وقد أجمعتُ أن أبيِّت عسكرَ الخُزاعيّ، فإنهم للبيات آمنون، فما ترى؟ قال: البيَات نِعمّا هو، وليكن ذلك بالعَجَم، فإنّ العرب أشدّ حَذَرًا, وأسرَع فَزَعًا، وأجرَأ