للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الليل من العَجَم، فبَيِّتْهم فإنّي أرجو أن ينصرَنا الله عليهم، ثمّ ننفردَ لقتالِ الخُزاعيّ فنحن في حصن وهم بالعَراء، وليسوا بأوْلَى بالصبر، ولا أعلم بالحرْب منّا، قال: فأجمَعَ موسى على بياتِ الترك، فلما ذهب من الليل ثُلثُه خرج في أربعمئة، وقال لعمرو بن خالد: اخرجوا بعَدنا وكُونوا منّا قريبًا؛ فإذا سمعتم تكبيرَنا فكبّروا، وأخذ على شاطئ النهر حتى ارتفع فوق العسكر، ثمّ أخذ من ناحية كفتان، فلمّا قُربَ من عسكرهم جعل أصحابَه أرباعًا، ثمّ قال: أطيفوا بعسكرِهم، فإذا سمعتم تكبيرَنا فكبِّروا وأقبَل وقدَّم عَمْرًا بين يديه ومشَوْا خلفَه، فلما رأتْه أصحاب الأرصاد قالوا: من أنتم؟ قالوا: عابِري سبيل.

قال: فلما جازوا الرَّصَد تفرّقوا وأطافوا بالعسكر، وكبّروا، فلم يشعر الترك إلا بوَقْع السيوف، فثاروا يقتل بعضهم بعضًا وولَّوا، وأصيب من المسلمين ستّة عشر رجلًا، وحَووا عسكرَهم وأصابوا سلاحًا ومالًا، وأصبح الخُزاعيّ وأصحابه قد كسرَهم ذلك، وخافوا مِثلها من البَيات، فتحذّروا. فقال لموسى عمرو بن خالد: إنك لا تَظفر إلا بمكيدة ولهم أمداد وهم يكثرون، فدَعْني آتِهم لعلّي أصيب من صاحبهم فرصة؛ إني إن خلوتُ به قتلتُه، فتناوَلْني بضرب، قال: تتعجّل الضّرب وتتعرّض للقتل! قال: أما التعرّض للقَتْل فأنا كلّ يوم متعرِّضٌ له، وأما الضرب فما أيْسَرَهُ في جَنْب ما أريد، فتنَاولَه بضرب؛ ضربه خمسين سَوْطًا، فخرج من عسكر موسى فأتى عسكر الخُزاعيّ مستأمِنًا وقال: أنا رجل من أهل اليَمَن كنتُ مع عبد الله بن خازم، فلما قُتِل أتيتُ ابنَه فلم أزل معه، وكنتُ أوّل من أتاه، فلما قدمت اتهمَني وتعصّب عليّ، وتنكّر لي وقال لي: قد تعصّبت لعدّونا، فأنت عينٌ له، فضَرَبني ولم آمَن القَتْل، وقُلت: ليس بعد الضرب إلا القتل، فهربت منه، فآمنه الخُزاعيّ وأقام معه.

قال: فدخل يومًا وهو خالٍ ولم يَرَ عنده سلاحًا، فقال كأنه يَنْصَح له: أصلَحَك الله! إنّ مِثلَك في مِثلِ حالك لا ينبغي أن يكون في حال من أحواله بغيرِ سلاح، فقال: إنّ معي سلاحًا، فرفَع صدر فراشه فإذا سَيفٌ منتضىً، فتناوَله عمرو فضرَبَه فقتله، وخرج فركب فرسَه، ونَذَروا به بعد ما أمعَن، فطلبوه ففاتَهم، فأتى موسى وتفرّق ذلك الجيش، فقطع بعضُهم النهر، وأتى بعضُهم موسى مستأمِنًا، فآمنه فلم يوجِّه إليه أميّةُ أحدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>