عبد الحميد عامل أبي مسلم على الرّيّ - وكان في خدمة موسى بن عبد الله - وقال له: إياك أن تتكلم بالعربية، وإن سألوك من أين أنت! فقل: من سَبْي الباميان، فكان يَخدُم موسى وينقُل إلى ثابت خبرَهم، فقال له: تحفَّظْ ما يقولون، وحَذِر ثابت فكان لا ينام حتى يرجعَ الغلام، وأمر قومًا من شاكِرِيّته يحرسونه، ويبيتون عندَه في داره، ومعهم قوم من العَرَب، وألحّ القوم على موسى فأضجَروه، فقال لهم ليلةً: قد أكثرتم عليّ، وفيم تريدون هلاكَكم، وقد أبرَمْتموني! فعلى أيّ وجه تَفتِكون به، وأنا لا أغدِر به! فقال نوح بن عبد الله أخو موسى: خَلِّنا وإياه، فإذا غدا إليك غُدوةً عَدلْنا به إلى بعض الدّور، فضربْنا عنقَه فيها قبل أن يصلَ إليك، قال: أمَا والله إنه لهلاككم، وأنتم أعلم - والغلام يسمَع - فأتى ثابتًا فأخبَره، فخرج من ليلته في عشرين فارسًا، فمضى، وأصبَحوا وقد ذهب فلم يَدْروا من أين أوتُوا.
وفَقَدوا الغلام، فعلِموا أنه كان عَيْنًا له عليهم، ولحق ثابت بحشورا فنَزل المدينة، وخرج إليه قومٌ كثير من العَرب والعجم، فقال موسى لأصحابه: قد فتحتم على أنفسكم بابًا فسُدّوه، وسار إليه موسى، فخرج إليه ثابت في جمع كثير فقاتلَهم، فأمر موسى بإحراق السور، وقاتَلهم حتى ألجؤوا ثابتًا وأصحابَه إلى المدينة، وقاتلوهم عن المدينة.
فأقبل رقبة بن الحرّ العَنبريّ حتى اقتحم النار؛ فانتهى إلى باب المدينة، ورجل من أصحاب ثابت واقفٌ يحمِي أصحابَه، فقتَله، ثمّ رجع فخاض النار وهي تَلتهِب، وقد أخذتْ بجوانب نَمَط عليه، فرَمى به عنه ووقفَ، وتحصّن ثابت في المدينة، وأقام موسى في الرّبض، وكان ثابت حين شَخَص إلى حشورا أرسَل إلى طَرْخون، فأقبَل طرْخون مُعينًا له، وبلغ موسى مجيءُ طَرْخون، فرجع إلى التّرْمِذ، وأعانه أهلُ كِسّ ونَسَعف وبُخارَى، فصار ثابت في ثمانين ألفًا، فحَصَروا موسى وقطعوا عنه المادّة حتى جُهدوا.
قال: وكان أصحابُ ثابت يَعبُرون نهرًا إلى موسى بالنهار - ثمّ يرجعون بالليل إلى عسكرهم، فخرج يومًا رقَبة - وكان صديقًا لثابت، وقد كان يَنهى أصحاب موسى عمّا صنعوا - فنادى ثابتًا، فبَرز له - وعلى رَقَبَةَ قَباء خزّ - فقال له: كيف حالك يا رَقبة؟ فقال: ما تسأل عن رَجل عليه جُبّة خَزّ في حَمارَّة القَيْظ! وشكا إليه