غدرَهما، وهمَّ بمتابَعتهم على الوثُوب بثابت وحُريث، واضطرَب أمرُهم؛ فإنهم لفي ذلك إذ خرجتْ عليهم الهَياطِلة والتَّبَّت والتُّرك، فأقبلوا في سبعين ألفًا لا يعُدّون الحاسرَ ولا صاحبَ بَيْضَة جمّاء، ولا يعدون إلا صاحبَ بَيْضة ذات قَوْنَس، قال: فخرج ابنُ خازم إلى رَبَض المدينة في ثلاثمئة راجل وثلاثين مجففًا، وألقِيَ له كرسيٌ فقعد عليه، قال: فأمر طَرْخون أن يثلم حائطَ الرّبض، فقال موسى: دَعُوهم، فهدموا ودخل أوائلهم، فقال: دعوهم يكثرون، وجعل يقلّب طَبْرزِينًا بيده، فلما كثروا قال: الآن امنعوهم، فركب وحمل عليهم فقاتَلَهم حتى أخرَجهم عن الثُّلمة، ثمّ رجع فجلس على الكرسيّ وذمّر الملكُ أصحابه ليعودوا، فأبَوْا، فقال لفرسانه: هذا الشيطان، منْ سَرّه أن ينظرَ إلى رستم فلينظرْ إلى صاحب الكرسيّ، فمن أبى فليقدَم عليه، ثمّ تحوّلت الأعاجم إلى رُسْتاق كفتان، قال: فأغاروا على سَرْح موسى، فاغتمّ ولم يَطعم، وجعلَ يَعبثُ بلِحيته، فسار ليلًا على نهر في حافَتَيْه نبات لم يكن فيه ماء، وهو يُفضِي إلى خَنَدَقهم، في سبعمئة، فأصبحوا عند عسكرهم، وخرج السَّرْح فأغار عليه فاستاقه، وأتبعه قومٌ منهم، فعطف عليه سَوَّار، مولىً لموسى، فطعن رجلًا منهم فصرَعَه، فرجعوا عنهم وسَلِم مُوسى بالسَّرح، قال: وغاداهم العَجَم القتال، فوقف مَلِكُهم على تلّ في عشرة آلاف في أكمل عُدّة، فقال موسى: إن أزلتم هؤلاء فليس الباقون بشيء، فقصد لهم حُرَيْثُ بن قُطْبة فقاتَلَهم صدرَ النهار، وألحّ عليهم حتى أزالوهم عن التلّ، ورُمي يومئذ حُرَيث بُنشابة في جبهته، فتحاجزوا فبَيّتَهم موسى، وحمل أخوه خازم بن عبد الله بن خازم حتى وصل إلى شمعة مَلِكهم، فوجأ رجلًا منهم بقَبِيعة سيفِه، فطعن فرَسه، فاحتَمَله فألقاه في نهر بَلْخ فغَرق، وعليه درْعان، فقتل العجم قَتْلًا ذريعًا، ونجا منهم من نجا بشرّ، ومات حُرَيث بن قطبة بعد يومين، فدُفن في قبّته.
قال: وارتحل موسى، وحَملوا الرؤوسَ إلى التِّرْمذ، فبنَوا من تلك الرؤوس جَوْسَقَين، وجعلوا الرؤوس يقابل بعضها بعضًا، وبلغ الحجاجَ خبرُ الوقعة، فقال: الحمد لله الذي نَصَرَ المنافقين على الكافرين، فقال أصحاب موسى: قد كُفِينا أمرَ حُريث، فأرحْنا من ثابت، فأبَى، وقال: لا وبلَغ ثابتًا بعضُ ما يخوضون فيه، فدسّ محمد بن عبد الله بن مَرثَد الخُزاعيّ، عمّ نَصْر بن