قال: ورمى يزيد وصاحباه بأنفسِهم في نَهْر الصَّغانِيان، فرمْوهم، فنجا يزيدُ سباحة وقُتل صاحباه، وحُمِل ثابت إلى منزله، فلما أصبح طَرْخون أرسَل إلى ظهير: ائِتني بابنَيْ يزيدَ، فأتاه بهما، فقدّم ظهيرٌ الضحّاك بن يزيدَ فقَتَله، ورمى به وبرأسه في النهر، وقدّم قدامَة ليقتلَه، فالتفتَ فوَقَع السيف في صدره، ولم يُبِنْ، فألقاه في النهر حيًّا فغرَق، فقال طرخون: أبوهما قتلهما وغدرُه، فقال يزيد بن هزيل: لأقتلنّ يا بنيّ كلَّ خُزاعيٍّ بالمدينة، فقال له عبدُ الله بنُ بُدَيل بنِ عبد الله بن بُدَيل بنِ وَرْقاء - وكان ممن أتَى موسى من فَلّ ابن الأشعث:
لو رُمْتَ ذاكَ من خُزاعة لَصعُب عليكَ. وعاش ثابتُ سبعةَ أيام ثمّ مات، وكان يزيدُ بن هزيل سخيًّا شجاعًا شاعرًا، ولي أيّام ابن زياد جزيرةَ ابن كاوان، فقال:
قد كنتُ أدعو الله في السرّ مخلصًا ... ليُمكّنني من جزيةٍ ورِجالِ
فأترُك فيها ذِكْرَ طَلحةَ خاملًا ... ويُحمَدُ فيها نائلي وفِعالي
قال: فقام بأمرِ العجَم بعد موت ثابت طَرْخون، وقام ظُهَير بأمر أصحابِ ثابت، فقاما قيامًا ضعيفًا، وانتَشَر أمرُهم، فأجمع موسى على بَياتِهم، فجاء رجلٌ فأخبرَ طرخون، فضَحِك وقال: موسى يَعجز أن يدخل متوضّأه، فكيف يبيِّتنا! لقد طار قلْبك، لا يحرسنّ الليلة أحدٌ العسَكر. فلما ذهب من الليل ثُلثُه خرج موسى في ثمانمئة قد عبّاهم من النهار، وصيّرهم أرباعًا، قال: فصيّر على رُبْع رقَبة بن الحرّ وعلى رُبْع أخاه نُوح بن عبد الله بن خازم، وعلى رُبْع يزيدَ بن هزيل، وصار هو في ربع، وقال لهم: إذا دخلتم عسكرَهم فتفرّقوا, ولا يمُرَّن أحدٌ منكم بشيء إلا ضربه، فدخلوا عسكرَهم من أربع نواحٍ لا يمرّون بدابّة ولا رجل ولا خِباء ولا جوالِق إلا ضَرَبوه، وسمع الوجبَة نَيْزك فَلبس سلاحَه، ووقف في ليلة مظلمه، وقال لعليّ بن المُهاجر الخُزاعِي: انطلق إلى طرْخونَ فأعِلمه مَوقفي، وقيل له: ما ترَى أعمل به، فأتى طرخون، فإذا هو في فازة قاعدٌ على كرسيّ وشاكرّيته قد أوقَدوا النيرانَ بين يديْه، فأبلغه رسالةَ نَيزَك، فقال: اجلسْ، وهو طامح ببصِره نحَو العسكر والصّوت، إذ أقبل مَحْمِيَةُ السُّلَميّ وهو يقول:"حم لا يُنْصَرَون"، فتفّرق في الشاكرّية، ودخل محمِيَةُ الفازة، وقام إليه طَرْخون فبدَره فضَرَبه، فلم يُغنِ شيئًا، قال: وطَعَنَه طرْخون بذُباب السيف في