صَدْرِه فصَرَعه، ورجع إلى الكرسيّ فجلس عليه، وخرجَ محمِية يَعدُو.
قال: ورجعت الشاكرّية، فقال لهم طَرْخون: فَرَرتم من رجل! أرأيتم لو كان نارًا هل كانت تَحرِق منكم أكثرَ من واحد! فما فَرَغ من كلامه حتى دخل جوارِيه الفازَة، وخَرَج الشاكرّية هُرّابًا، فقال للجواري: اجلِسْن، وقال لعليّ بن المهاجر: قُمْ، قال: فخرجنا فإذا نوح بنُ عبد الله بن خازم في السُّرادق، فتجاوَلَا ساعة، واختَلَفا ضربتيْن، فلم يَصنَعا شيئًا، وولّى نوح وأتبَعه طَرْخون، فطَعَن فرس نُوح في خاصِرَته فشَبّ، فَسَقَط نُوح والفرَس في نهر الصَّغانيان، ورجع طَرْخون وسيفُه يَقطُر دمًا، حتى دخل السرادق وعليّ بن المهاجرِ معه، ثمّ دخلا الفازة.
وقال طَرْخون للجواري: ارجعن: فرَجَعن إلى السرادق؛ وأرسَل طرخون إلى موسى: كُفّ أصحابَك؟ فإنا نرتحل إذا أصبحْنا، فرجَع موسى إلى عسكره، فلما أصبحوا ارتَحَل طَرْخون والعَجَم جميعًا، فأتى كلّ قوم بلادهم. قال: وكان أهلُ خُراسان يقولون: ما رأيْنا مِثلَ موسى بن عبد الله بن خازم، ولا سَمِعنا به، قاتَلَ مع أبيه سنتين، ثمّ خرج يسير في بلاد خُراسان حتى أتى مَلِكًا فغَلَبه على مدينته، وأخَرَجَه منها، ثمّ سارت إليه الجنُود من العَرَب والترك فكان يُقاتِل العَرب أوّل النهار والعَجَم آخر النهار، وأقام في حِصنه خمسَ عشرةَ سنة، وصار ما وراءَ النهر لموسى، لا يُعازّه فيه أحدٌ.
قال: وكان بقُومِسَ رجلٌ يقال له عبد الله، يَجتمع إليه فِتيانٌ يتنادَمون عندَه، في مؤونته ونفقَته، فلزِمه دَيْن، فأتى موسى بن عبد الله، فأعطاه أربعةَ آلاف، فأتَى بها أصحابَه، فقال الشاعر يُعاتِب رجلًا يقال له موسى:
فما أنتَ مُوسَى إذ يُناجِي إلهَهُ ... ولا وَاهِب القَيْنَات موسَى بنُ خازمِ
قال: فلما عُزل يزيدُ ووُلِّيَ المفضّل خُراسانَ أراد أن يحظى عند الحجّاج بقِتال موسى بن عبد الله، فأخرج عثمانَ بن مسعود - وكان يزيد حبَسَه - فقال: إني أريد أن أوجِّهَك إلى موسى بن عبد الله، فقال: واللهِ لقد وترَني، وإنّي لثائر بابن عمّي ثابت وبالخُزاعيّ، وما يَد أبيك وأخِيك عندي وعندَ أهل بيتي بالحَسنة، لقد حبستموني، وشرّدتم بني عمّي، واصطفيَتْم أموالهم، فقال له المفضَّل: دَعْ هذا عنك، وسرْ فأدْرِكْ بثأرك، فوجّهه في ثلاثة آلاف، وقال له: مُر مناديًا فليُناد: