عبدُ الملك: اللهمّ قد قطَعني فاقطَعْه، فلما مات عبدُ العزيز قال أهلُ الشام: رَدّ على أمير المؤمنين أمرَه، فدعا عليه، فاستُجيب له.
قال: وكتب الحجاج إلى عبد الملك يشيرُ عليه أن يستكتب محمد بن يزيدَ الأنصاريّ، وكتب إليه: إن أردتَ رجلًا مأمونًا فاضلًا عاقلًا وديعًا مُسلمًا كَتُومًا تتّخذه لنفسِك، وتَضع عندَه سِرَّك، وما لا تحبّ أن يَظهَر فاتخذْ محمد بن يزيدَ، فكتب إليه عبدُ الملك: احمله إليّ فَحَمَله، فاتّخذه عبدُ الملك كاتبًا، قال محمد: فلم يكن يأتيه كِتابٌ إلا دفعه إليّ، ولا يسترُ شيئًا إلا أخبَرَني به وكتَمه الناسَ، ولا يكتبُ إلى عامل من عماله إلا أعلَمنيه، فإني لجالسٌ يومًا نِصفَ النهار إذا ببَريد قد قَدِم من مصرَ، فقال: الإذن على أمير المؤمنين، قلت: ليست هذه ساعة إذن، فأعلمني ما قد قدمتَ له، قال: لا. قُلت: فإن كان معك كتاب فادفعه إليّ، قال: لا، قال: فأبلَغَ بعضُ من حضَرَني أمير المؤمنين، فخرج فقال: ما هذا؟ قلتُ: رسولٌ قَدِم في مصرَ، قال: فخُذ الكتاب، قلتُ: زَعَم أنه ليس معه كتاب، قال: فسَلْه عما قدِم له، قلتُ: قد سألتهُ فلم يُخبِرْني، قال أدخِلْه، فأدخَلته، فقال: آجرَك الله يا أميرَ المؤمنين في عبد العزيز! فاسترْجعَ وبكى ووَجَم ساعةً ثمّ قال: يَرحَم الله عبدَ العزيز! مَضَى واللهِ ععدَ العزيز لشأنهِ، وتركَنَا وما نحن فيه، ثمّ بكى النساءُ وأهل الدار، ثمّ دعاني من غَد، فقال: إنّ عبد العزيز رحمه الله قد مَضَى لسبيله، ولا بدّ للناس من عَلَم وقائم يقومُ بالأمْرِ من بَعدي، فمن تَرَى؟ قلت: يا أميرَ المؤمنين، سيّد الناس وأرضاهم وأفضلُهم الوليدُ بنُ عبد الملك، قال: صدقتَ وفّقك الله! فمَن تَرى أن يكون بعده؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أين تَعْدلها عن سليمانَ فتَى العرب! قال: وفّقتَ، أما إنَّا لو تركْنا الوليدَ وإياها لجعَلَها لبنيه، اكتُب عَهدًا للوليد وسُليمانَ مِن بَعدِه، فكتبتُ بيعةَ الوليد ثم سليمان من بعدِه، فغَضب عليَّ الوليدُ فلم يُولني شيئًا حين أشرْتُ بسليمان من بعدِه. (٦/ ٤١٣ - ٤١٥).
قال عليّ: عن ابن جُعْدبة: كتب عبدُ الملك إلى هشام بن إسماعيلَ المخزوميّ أن يدعوَ الناس لبيعة الوليد وسليمان، فبايعوا غيرَ سعيِد بن المسيِّب، فإنه أبى، وقال: لا أبايع وعبد الملك حَيّ؛ فضَرَبه هشام ضَرْبًا مُبرِّحًا وألبَسَه المسُوحَ، وسرّحه إلى ذباب - ثنيّة بالمدينة كانوا يُقتلون عندها