للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله لئن تكلم به أحد لأضربنّ عنقَك، فأقام يومَه ذلك، فلما أصبح من الغد دعا عبدَ الرحمن فقال: سِرْ في الفرْسان والمُرامية، وقدّم الأثقالَ إلى مَرْو، فوُجّهَت الأثقال إلى مَرو، ومضى عبدُ الرحمن يَتْبع الأثقال يريدُ مَرو يومه كلّه، فلما أمسَى كتب إليه: إذا أصبحتَ فوجِّه الأثقالَ إلى مَرْوَ وسرْ في الفُرسان والمُرامية نحو السُّغْد، واكتُم الأخبار فإني بالأثَر.

قال: فلما أتى عبدَ الرحمن الخبرُ أمرَ أصحابَ الأثقال أن يمضوا إلى مَرْوَ، وسار حيث أمرَه، وخَطَب قتيبة الناسَ فقال:

إن الله قد فَتَح لكم هذه البلدة في وقت الغَزْوُ فيه ممكن، وهذه السُّغد شاغِرَةٌ برِجْلها، قد نَقَضوا العَهْد الذي كان بيننا، منعونا ما كنّا صالَحْنا عليه طرخون، وصَنعوا به ما بَلَغكم، وقال الله: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}، فسيِرُوا على برَكة الله، فإنّي أرجو أن يكون خَوارزم والسُّغْد كالنَّضير وقُرَيظة، وقال الله: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا}.

قال: فأتى السُّغْد وقد سَبَقه إليها عبدُ الرحمن بن مسلم في عشرين ألفًا، وقَدم عليه قتيبةُ في أهل خُوارزم وبُخارَى بعد ثلاثة أو أربعة مِن نزولِ عبد الرحمن بهم، فقال: إنا إذا نزَلنا بِسَاحة قوم {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}. فحصرَهم شهْرًا، فقاتَلُوا في حِصارهم مِرارًا من وجهٍ واحد.

وكتب أهلُ السُّغْد وخافوا طولَ الحصار إلى ملك الشاش، وإخشاذ فَرْغانة: إن العرب إنْ ظفروا بنا عادوا عليكم بمِثل ما أتَوْنا، فانظُروا لأنفسكم، فأجمَعوا على أن يأتوهم وأرسَلوا إليهم: أرسِلوا من يشغلهم حتى نبيّت عسكرَهم.

قال: وانتخبوا فُرْسانًا من أبناء المَرازِبة والأساوِرة والأشدّاء الأبطال فوجّهوهم وأمَروهم أن يبيِّتوا عسكرَهم، وجاءت عيونُ المسلمين فأخبَروهم.

فانتخَب قتيبة ثلاثمئة أو ستمئة من أهل النَّجْدة، واستعمل عليهم صالح بن مسلم، فصيّرهُم في الطريق الذي يخاف أن يُؤتَى منه، وبعث صالحٌ عيونًا يأتونه بخَبر القوم، ونزل على فرسَخَين من عسكر القوم، فرجعتْ إليه عيونُه فأخبروه أنهم يَصلون إليه من ليلتِهم، ففرّق صالحٌ خيلَه ثلاثَ فِرَق؛ فجعل كَمِينًا في موضعَيْن، وأقام على قارعةِ الطريق، وطرَقَهم المشركون ليلًا, ولا يَعلمون

<<  <  ج: ص:  >  >>