بمكان صالح، وهم آمنون في أنفسِهم من أن يَلقَّاهم أحدٌ دون العسكر، فلم يعلَموا بصالح حتى غَشوه، قال: فشدّوا عليه حتى إذا اختلَفتِ الرماح بينهم خرج الكَمِينان فاقتَتلوا، قال: وقال رجلٌ من البَراجم: حصرتُهم فما رأيتُ قطّ قومًا كانوا أشدَّ قتالًا من أبناء أولئك الملوك ولا أصبَر، فقَتلْناهم فلم يُفلِتْ منهم إلَّا نفرٌ يسير، وحوَيْنا سلاحَهم، واحتَززْنا رؤوسَهم، وأسَرْنا منهم أسرَى، فسألناهم عمّن قَتلْنا، فقالوا: ما قتلتم إلا ابن مَلِك، أو عظيمًا من العُظماء، أو بَطلًا من الأبطال؛ ولقد قتلتم رجالًا إن كان الرجل ليُعدَل بمئة رجل، فكتَبنا على آذانهم، ثمّ دخَلْنا العسكَر حين أصبَحْنا وما منا رجل إلا معلِّق رأسًا معروفًا باسمه، وسَلبنا من جيّد السلاح وكريمِ المتاع، ومناطِق الذهب ودوابَّ فُرَّهةٍ، فنفَلنا قتيبةُ ذلك كله، وكَسَر ذلك أهلَ السُّغد، ووضع قتيبة عليهم المَجانيق، فرماهم بها، وهو في ذلك يُقاتِلهم لا يُقلع عنهم، وناصَحَه مَن معه من أهل بُخارى وأهلِ خُوارزم، فقاتلوا قِتالًا شديدًا، وبذلوا أنفسَهم.
فأرسَل إليه غوزك: إنما تقاتلني بإخوَتي وأهلِ بيتي من العَجم، فأخرِجْ إليَّ العَربَ، فغضبَ قتيبة ودعا الجدليّ فقال: اعرِض الناس، ومَيّز، أهل البأس، فجمعَهَم، ثمّ جلس قتيبة يَعرِضهم بنفسِه، ودعا العُرَفاءَ فجعل يدعو برجل رجل، فيقول: ما عندَك؟ فيقول العريف: شجاع، ويقول: ما هذا؟ فيقول: مختصر، ويقول: ما هذا؟ فيقول: جَبان، فسمى قتيبة الجُبَناء الأنْتان، وأخذ خيلَهم وجيّدَ سلاحِهم فأعطاه الشَّجعَان والمختصرين، وترك لهم رَثّ السلاح، ثم زحف بهم فقاتَلَ بهم فُرسانًا ورجالًا، ورَمَى المدينة بالمجانيق، فثَلم فيها ثُلْمةً فسدّوها بغوائر الدُّخن، وجاء رجل حتى قام على الثّلْمة فَشتَم قتيبةَ، وكان مع قتيبة قومٌ رُماة، فقال لهم قتيبة: اختاروا منكم رجلين، فاختاروا، فقال: أيّكما يَرمِي هذا الرجل، فإنْ أصابَه فله عشرةُ آلاف، وإن أخطأه قُطعتْ يده؟ فتلكَّأ أحدُهما وتقدّم الآخرُ، فرماه فلم يُخِطئ عينَه، فأمَر له بعَشرة آلاف. (٦/ ٤٧٢ - ٤٧٤).
قال: وأخبرنا الباهليُّون، عن يحيى بن خالد، عن أبيه خالد بن باب مولَى مُسِلم بن عمرو، قال: كنتُ في رُماة قتيبة، فلما افتتَحنا المدينَة صعدتُ السور فأتيتُ مُقامَ ذلك الرّجل الذي كان فيه فوجدتُه ميّتًا على الحائط، ما أخطأتِ