النُّشابة عينَه حتى خرجتْ من قَفاه، ثمّ أصبحوا من غد فرمَوا المدينَة، فثلَموا فيها، وقال قتيبة: ألِحّوا عليها حتى تعبُروا الثلْمة، فقاتلوهم حتى صاروا على ثُلْمة المدينة، ورماهم السّغد بالنشّاب، فوضَعوا تَرَستهم، فكان الرجل يضعُ ترسَه على عَيْنه، ثمّ يحمِل حتى صاروا على الثلمة، فقالوا له: انصرِفْ عنا اليومَ حتى نصالَحك غدًا.
فأما باهلة فيقولون: قال قُتيبة: لا نصالحهم إلا ورجالُنا على الثْلمة، ومجانيقُنا تَخطِر على رؤوسِهم ومدينتِهم.
قال: وأما غيرهم فيقولون: قال قتيبة: جَزعَ العبيدُ، فانصرفوا على ظفرِكُم، فانصرَفوا فصالَحهم من الغد على ألفي ألف ومئتي ألف في كلّ عام، على أن يُعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس، ليس فيهم صبيّ ولا شَيْخ ولا عيب، على أن يُخلُوا المدينةَ لقُتيبة فلا يكون لهم فيها مُقاتِل، فيُبنَى له فيه مسجد فيدخل ويصلي، ويُوضَع له فيها مِنبَر فيَخطب، ويتغدَّى ويخرِج.
قال: فلما تمّ الصّلح بعث قتيبةُ عشرةً، من كلّ خُمس برجلين، فقَبَضوا ما صالحوهم عليه، فقال قتيبة: الآن ذلّوا حين صار إخوانهم وأولادهم في أيديكم، ثمّ أخلَوا المدينة وبنَوا مسجدًا ووضَعوا مِنبرًا، ودَخَلها في أربعة آلاف انتخَبهم، فلما دَخَلها أتَى المسجَد فصلَّى وخَطَب ثمّ تغدَّى، وأرسل إلى أهل السُّغْد: من أراد منكم أن يأخذَ متاعَه فليأخُذْه؛ فإني لستُ خارجًا منها، وإنما صنعتُ هذا لكم، ولستُ آخذُ منكم أكثرَ مما صالحتُكم عليه، غير أنّ الجُنْد يقيمون فيها.
قال: أما الباهليّون فيقولون: صالَحَهم قتيبةُ على مئة ألف رأس، وبيوت النيران وحلية الأصنام، فقَبض ما صالحهم عليه، وأتى بالأصنام فسُلِبتْ؛ ثم وُضعتْ بين يديه، فكانت كالقَصْر العظيم حين جُمعِت، فأمَر بتحريقها، فقالت الأعاجم: إنّ فيها أصنامًا مَنْ حرّقها هَلَك، فقال قتيبة: أنا أحَرّقها بيدي، فجاء غوزك، فجَثَا بين يديه وقال:
أيها الأمير، إنّ شكرك عليّ واجب، لا تَعرِض لهذه الأصنام، فَدَعا قتيبة بالنار وأخذَ شُعْلةً بيَده، وخرج فكبر، ثمّ أشعَلها، وأشعَل الناس فاضطرمتْ،