عافاهم الله منها، ومتى لم آتِ سليمانَ بمثلِ ما جاء به الحجّاج لم يقبَل مني، فأتى يزيدُ سليمان فقال: أدلّك على رجل بصير بالخَراج توليه إياه، فتكونَ أنت تأخذهُ به؟ صالح بن عبد الرّحمن، مولى بني تميم، فقال له: قد قبلنا رأيك، فأقبلَ يزيدُ إلى العراق (١). (٦/ ٥٢٣).
وحدّثني عمرُ بنُ شبّة، قال: قال عليّ: كان صالح قَدِم العراق قبل قُدوم يزيدَ، فنزل واسطًا، قال عليّ: فقال عباد بن أيوب: لما قدم يزيد خرَج الناسُ يتلقَّونه، فقيل لصالح: هذا يزيد، وقد خرج الناس يتلقّونه، فلم يخرج حتى قَرُب يزيدُ من المدينة، فخرج صالحٌ، عليهُ درَّاعة ودبوسيّة صفراء صغيرة، بين يديه أربعمئة من أهل الشام، فلقي يزيدَ فسايَرَه، فلما دخل المدينةَ قال له صالح: قد فرّغت لكَ هذه الدار - فأشار له إلى دار - فنزل يزيد، ومضى صالح إلى منزله، قال: وضيّق صالحٌ على يزيدَ فلم يملّكه شيئًا، واتخذ يزيدُ ألف خوان يُطعِم الناسَ عليها، فأخذها صالح، فقال له يزيد: اكتبْ ثمنَها عليّ، واشترى متاعًا كثيرًا، وصكّ صِكاكًا إلى صالح لباعَتِها منه، فلم يُنفِذه، فرجحوا إلى يزيدَ، فغضب وقال: هذا عَمَلي بنفسي، فلم يَلبث أن جاء صالحٌ، فأوْسَع له يزيد، فجلس وقال ليزيد: ما هذه الصِّكاك؟ الخَراجُ لا يقوم لها، قد أنفذتُ لك منذ أيام صَكًّا بمئةِ ألف، وعَجلت لك أرزاقك، وسألت مالًا للجنُد، فأعطيتُك، فهذا لا يقوم له شيء، ولا يَرضَى أميرُ المؤمنين به، وتؤخذ به! فقال له يزيد: يا أبا الوليد، أجزْ هذه الصِّكاك هذه المرة، وضاحَكَه، قال: فإني أجيزُها، فلا تُكثِرنّ عليّ، قال: لا. (٦/ ٥٢٤).
وأمّا أبو عُبيدة معمَر بنُ المثنى فإنه قال في ذلك: حدّثني أبو مالك أنّ وَكيع بن أبي سُود بعث بطاعته وبرأسِ قُتيبةَ إلى سليمان، فوقَع ذلك من سليمان كلَّ موقع، فجعل يزيدُ بنُ المهلب، لعبد الله بن الأهتم مئةَ ألف على أن ينقُر وكيعًا عنده، فقال: أصلَح اللهُ أمير المؤمنين! والله ما أحدٌ أوجَب شكرًا، ولا أعظَم عندي يدًا من وكيع، لقد أدرك بثَأري، وشفاني من عَدُوّي، ولكن أميرَ المؤمنين أعظمُ وأوجبُ عليّ حَقًّا، وإنّ النصيحةَ تلزَمني لأمير المؤمنين؛ إنّ