فسار جوادًا مغذًّا، حتى لحق القشيريّ بعد ثالثة، وسارَ فلما انتهى إلى خُجَندة، قال للفضل بن بسّام: ما ترى؟ قال: أرى المعاجلة، قال: لا أرى ذلك، إن جرح رجُلٌ فإلى أين يرجع! أو قتل قتيل فإلى مَن يُحمَل! ولكني أرى النزول والتأني والاستعداد للحرب، فنزل فرفع الأبنية وأخذ في التأهب، فلم يخرج أحد من العدوّ، فجبَّن الناسُ الحرشيّ، وقالوا: كان هذا يُذكر بأسه بالعراق ورأيه، فلما صار بخراسان ماقَ. قال: فحمل رجلٌ من العرب، فضرب باب خجندة بعمود ففتح الباب، وقد كانوا حفروا في رَبَضهم وراء الباب الخارج خندقًا، وغطَوْه بقصب، وعَلَّوه بالتراب مكيدة، وأراد إذا التقوا إن انهزموا أن يكونوا قد عرفوا الطريق، ويشكل على المسلمين فيسقطوا في الخندق.
قال: فلما خرجوا قاتلوهم فانهزموا، وأخطؤوهم الطريق، فسقطوا في الخندق فأخرجوا من الخندق أربعين رجُلًا، على الرّجل دِرْعان دِرْعان، وحصرهم الحرشي، ونصب عليهم المجانيق، فأرسلوا إلى ملك فَرْغانة: غدرْتَ بنا، وسألوه أن ينصرهم، فقال لهم: لم أغير ولا أنصركم؛ فانظروا لأنفسكم؛ فقد أتوكم قبل انقضاء الأجل، ولستم في جواري، فلما أيسوا من نصره طلبوا الصُّلح، وسألوا الأمان وأن يردَّهم إلى السُّغْد، فاشترط عليه أن يردّوا مَن في أيديهم من نساء العرب وذراريّهم، وأن يؤدوا ما كسروا من الخراج، ولا يغتالوا أحدًا، ولا يتخلّف منهم بخجنَدة أحد، فإن أحدثوا حدثًا حلّت دماؤهم.
قال: وكان السَّفير فيما بينهم موسى بن مشكان مولى آل بسام، فخرج إليه كارزنج، فقال له: إنّ لي حاجة أحبّ أن تشفِّعني فيها، قال: وما هي؟ قال: أحبّ إن جنى منهم رجل جناية بعد الصلح ألَّا تأخذني بما جنى، فقال الحرَشيّ: ولي حاجة فاقضِها، قال: وما هي؟ قال: لا يلحقني في شرَطي ما أكره. قال: فأخرجَ الملوك والتجار من الجانب الشرقيّ، وترك أهل خُجَندة الذين هم أهلها على حالهم، فقال كارزنج للحَرَشيّ: ما تصنع؟ قال: أخاف عليكم معرّة الجند. قال: وعظماؤهم مع الحرشيّ في العسكر نزلوا على معارفهم من الجند، ونزل كارزنج على أيوب بن أبي حسان، فبلغ الحَرَشيّ أنهم قتلوا امرأة من نساء كنَّ في أيديهم، فقال لهم: بلغني أن ثابتًا الأشتيخنيّ قتل امرأة ودفنها تحت حائط،