للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنه كان كتب إليه يأمره بتخليته وقتله، وكان يستخفّ بأمر ابن هبيرة، وكان البريد والرّسول إذا ورد العراق قال له: كيف أبو المثنَّى؟ ويقول لكاتبه: اكتب إلى أبي المثنى يقول: "الأمير"، ويكثر أن يقول: قال أبو المثنَّى وفعل أبو المثنَّى، فبلغ ذلك ابن هبيرة فدعى جُمَيل بن عمران، فقال له: بلغني أشياء عن الحَرَشيّ، فاخرج إلى خراسان، وأظهر أنك قدمت تنظر في الدواوين، واعلم لي علمه. فقدِم جُميل، فقال له الحَرَشيّ: كيف تركت أبا المثنى؟ فجعل ينظر في الدواوين، فقيل للحرشيّ: ما قدم جميل لينظر في الدواوين، وما قدم إلَّا ليعلم عِلْمَك، فسمَّ بِطِّيخةَ، وبعث بها إلى جميل، فأكلها فمرض، وتساقط شعره، ورجع إلى ابن هبيرة، فعولج واستبلّ (١) وصحَّ فقال لابن هبيرة: الأمر أعظم مما بلغك؛ ما يرى سعيد إلَّا أنك عامل من عماله، فغضب عليه وعزله وعذبه، ونفح في بطنه النمل (٢)، وكان يقول حين عزله: لو سألني عُمر درهمًا يضعه في عينه ما أعطيمَه؛ فلما عذب أدّى، فقال له رجل: ألم تزعم أنك لا تعطيه درهمًا! قال: لا تعنّفني؛ إنه لما أصابني الحديد جزعت، فقال أَذَينة بن كليب - أو كليب بن أذيْنة:

تَصَبَّرْ أَبا يحيى فَقَدْ كنْتَ - علمَنا - ... صَبُورًا وَنَهَّاضًا بِثقْلِ المغارِمِ (٣)

وقال عليّ بن محمد: إنّما غضب عليه ابنْ هبيرة أنه وجه معقل بن عروة إلى هَرَاة؛ إما عاملًا وإما في غير ذلك من أموره، فنزل قبل أن يمرّ على الحَرَشيّ، وأتَى هَراة، فلم ينفذ له ما قدم فيه، وكتب إلى الحَرَشيّ، فكتب الحَرَشيّ إلى عامله: أن احمل إليّ معقلًا، فحمله، فقال له الحرَشيّ: ما منعك من إتياني قبل أن تأتي هَراة؟ قال: أنا عامل لابن هُبيرة ولّاني كما ولاك. فضربه مئتين وحلّقه (٤). فعزله ابن هبيرة، واستعمل على خُراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زُرعة، فكتب إلى الحَرَشيّ يلخِّنه، فقال سعيد: بل هو ابن اللّخناء، وكتب إلى مسلم أن احمِل إليّ الحَرَشيّ مع معقِل بن عروة. فدفعه إليه، فأساء به وضيّق


(١) استبل: أي برئ وشفي. القاموس المحيط ص ١٢٥١.
(٢) النمل هنا: بثور صغار مع ورم يسير. القاموس المحيط ص ١٣٧٦.
(٣) انظر البداية والنهاية [٧/ ١٨٤].
(٤) حلقه؛ وسمه بحلقة في فخذه. القاموس المحيط ص ١١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>