عليه، ثم أمره يومًا فعذّبه، وقال: اقتله بالعذاب، فلما أمسىَ ابن هُبيرة سمَر فقال: مَنْ سيد قيس؟ قالوا: الأمير، قال: دعوا هذا، سيّد قيس الكوْثر بن زفر، لو بوق بليلٍ لوافاه عشرون ألفًا. لا يقولون: لم دعوتنا ولا يسألونه، وهذا الحمار الذي في الحبْس - قد أمرت بقتله - فارسُها، وأما خيرُ قيس لها فعسىَ أن أكونه؛ إنه لم يعرض إليّ أمر أرى أني أقدر فيه على منفعة وخير إلَّا جررته إليهم، فقال له أعرابيّ من بني فَزارة: ما أنت كما تقول، لو كنتَ كذلك ما أمرت بقتل فارسها. فأرسل إلى معقل أن كُفّ عما كنتُ أمرتك به.
قال عليّ: قال مسلم بن المغيرة: لمّا هرب ابنُ هبيرة أرسل خالد في طلبه سعيد بن عمرو الحَرَشيّ، فلحقه بموضع من الفرات يقطعه إلى الجانب الآخر في سفينة، وفي صدر السفينة غلام لابن هبيرة يقال له قُبَيض، فعرَفه الحَرَشيّ فقال له: قُبيض؟ قال: نعم، قال: أفي السفينة أبو المثنى؟ قال: نعم، قال: فخرج إليه ابنُ هبيرة، فقال له الحرَشيّ: أبا المثنى، ما ظنُّك بي؟ قال: ظني بك أنك لا تدفع رجلًا من قومك إلى رجل من قريش، قال: هو ذاك، قال: فالنّجاء.
قال عليّ: قال أبو إسحاق بن ربيعة: لما حبس ابن هبجرة الحرَشيّ دخل عليه معقل بن عروة القُشيريّ، فقال: أصلح الله الأمير! قيَّدت فارس قيس وفضحته، وما أنا براضٍ عنه؛ غير أني لم أحبّ أن تبلغ منه ما بلغت، قال: أنت بيني وبينه، قدمتُ العراق فوليته البصرة، ثم وليته خراسان، فبعث إليّ ببرذون حَطِم (١) واستخفّ بأمري، وخان فعزلتُه، وقلت له: يا بن نَسْعة، فقال لي: يا بن بُسرة، فقال معقل؛ وفعل ابن الفاعلة! ودخل على الحَرَشيّ السجن، فقال: يابن نَسعة، أمك دخلت واشتُريت بثمانين عَنْزًا جربًا، كانت مع الرّعاء ترادفها الرجال مطية الصادر والوارد، تجعلها ندًّا لبنت الحارث بن عمرو بن حَرجة! وافترى عليه، فلما عُزِل ابن هبيرة، وقدم خالد العراق استعدَى الحَرشيّ على معقل بن عروة، وأقام البيّنة أنه قذفه، فقال للحَرَشيّ: اجلد، فحدّه، وقال: لولا أنّ ابن هبيرة وهّن في عضدي لنقبت عن قلبك، فقال رجل من بني كلاب لمعقل: أسأتَ إلى ابن عمك وقذفتَه، فأداله الله منك، فصرتَ لا شهادةَ
(١) الحطم: داء في قوائم الدابة. القاموس المحيط (ص ١٤١٥).