إلى فَرْغانة، فقال أبو الضحاك الرَّواحيّ - أحد بني رَوَاحة من بني عبس، وعِداده في الأزد، وكان ينظر في الحساب: ليس على متِخلّفٍ العامَ معصية، فتخلّف أربعة آلاف، وسار مسلم بن سعيد، فلما صار بفرْغانة بلغه أن خاقان قد أقبل إليه، وأتاه شُمَيْل - أو شُبَيْل - بن عبد الرحمن المازنيّ، فقال: عاينت عسكر خاقان في موضع كذا وكذا، فأرسل إلى عبد الله بن أبي عبد الله الكرْمانيّ مولى بني سليم، فأمره بالاستعداد للمسير، فلما أصبح ارتحل بالعسكر، فسار ثلاث مراحل في يوم؛ ثم سار من غد حتى قطع وادي السّبوح، فأقبل إليهم خاقان، وتوافت إليه الخيل؛ فأنزل عبد الله بن أبي عبد الله قومًا من العُرَفاء والموالي، فأغار الترك على الذين أنزلهم عبد الله ذلك الموضع فقتلوهم، وأصابوا دوابّ لمسلم وقتِل المسيّب بن بشر الرَّياحيّ، وقتِل البراء - وكان من فرسان المهلّب - وقتل أخو غوْزك، وثار النّاس في وجوههم، فأخرجوهم من العسكر، ودفع مسلم لواءه إلى عامر بن مالك الحِمَّانيّ، ورحل بالناس فساروا ثمانية أيام، وهم مطيفون بهم؛ فلما كانت الليلة التاسعة أراد النزول، فشاور الناس فأشاروا عليه بالنزول، وقالوا: إذا أصبحنا وردنا الماء، والماءُ منا غير بعيد؛ وإنك إن نزلت المرْج تفرّق الناس في الثمار، وانتُهب عسكرُك، فقال لسورة بن الحرّ: يا أبا العلاء، ما ترى؟ قال: أرى ما رأى الناس ونزلوا. قال: ولم يرفع بناء في العسكر، وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة، فحرَّقوا قيمة ألف ألف، وأصبح الناس فساروا، فوردوا الماء فإذا دون النّهر أهلُ فرغانة والشّاش، فقال مسلم بن سعيد: أعزِم على كلّ رجل إلَّا اخترط سيفه؛ ففعلوا فصارت الدنيا كلها سيوفًا، فتركوا الماء وعبروا، فأقام يومًا، ثم قطع من غدٍ، وأتبعهم ابن الخاقان. قال: فأرسل حُميد بن عبد الله وهو على الساقة إلى مسلم: قف ساعةً فإنّ خلفي مئتي رجل من الترك حتى أقاتلهم - وهو مثقَلٌ جراحةً - فوقف الناس، فعطف على الترك، فأسر أهل السُّغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة، وانصرف البقيّة، ومضى حميد ورُمي بنشّابة في ركبته، فمات.
وعطش الناس وقد كان عبد الرحمن بن نعيم العامري حمل عشرين قربة على إبله، فلما رأى جهد الناس أخرجها، فشربوا جُرَعًا، واستسقى يوم العطش مسلم بن سعيد فأتوْه بإناء، فأخذه جابر - أو حارثة - بن كثير أخو سليمان بن كثير