من فيه، فقال مسلم: دعوه، فما نازعني شَرْبتي إلَّا من حرّ دخَله، فأتوا خُجَنْدة، وقد أصابتهم مَجاعة وجَهد، فانتشر الناس فإذا فارسان يسألان عن عبد الرحمن بن نعيم، فأتياه بعهده على خُراسان من أسد بن عبد الله، فأقرأه عبد الرحمن مسلمًا، فقال: سمعًا وطاعة، قال: وكان عبد الرحمن أوّل من اتخذ الخيام في مفازة آمُل.
قال: وكان أعظم الناس غنىً يوم العطش إسحاق بن محمد الغُدانيّ، فقال حاجب الفيل لثابت قُطْنة، وهو ثابت بن كعب:
نقْضي الأُمورَ وبكرٌ غَيرُ شاهدها ... بين المجاذِيفِ والسُّكانِ مشغولُ
ما يَعْرفُ الناسُ منه غَيرَ قُطْنَتِه ... وما سواها مِنَ الآباءِ مجْهُولُ
وكان لعبد الرحمن بن نعيم من الولد نُعَيم وشَديد وعبد السلام وإبراهيم والمِقْداد، وكان أشدَّهم نُعَيم وشَديد، فلما عُزل مسلم بن سعيد، قال الخزرج التغلبيّ: قاتلنا الترك، فأحاطوا بالمسلمين حتى أيقنوا بالهلاك؛ فنظرت إليهم وقد اصفرّت وجوههم، فحمل حَوْثرة بن يزيد بن الحرّ بن الحُنَيف بن نصر بن يزيد بن جَعْوَنة على الترك في أربعة آلاف، فقاتلهم ساعة ثم رجع، وأقبل نصر بن سيار في ثلاثين فارسًا، فقاتلهم حتى أزالهم عن مواضعهم، وحمل الناس عليهم؛ فانهزم الترك.
قال: وحوثرة هذا هو ابن أخي رَقَبة بن الحرّ. قال: وكان عمر بن هبيرة قال لمسلم بن سعيد حين ولّاه خراسان: ليكن حاجبُك من صالح مواليك، فإنه لسانك والمعبّر عنك، وحُثّ صاحب شُرطتك على الأمانة، وعليك بعمال العذر، قال: ومَا عمال العُذْر؟ قال: مُرْ أهلَ كلّ بلد أن يختاروا لأنفسهم، فإذا اختاروا رجلًا فولّه، فإن كان خيرًا كان لك، وإن كان شرًّا كان لهم دونك؛ وكنت معذورًا.
قال: وكان مسلم بن سعيد كتب إلى ابن هُبيرة أن يوجه إليه توبة بن أبي أسيْد مولى بني العنبر، فكتب ابن هبيرة إلى عامله بالبصرة: احمل إليّ توبة بن أبي أسَيْد، فحمله فقدم - وكان رجلًا جميلًا جهيرًا له سَمْتٌ - فلما دخل على ابن هبيرة، قال ابن هبيرة: مثل هذا فليولّ، ووجَّه به إلى مسلم، فقال له مسلم: هذا خاتمي فاعمل برأيك؛ فلم يزل معه حتى قدم أسد بن عبد الله، فأراد توبة أن