قال: فصار الرّهن من الترك في أيديهم، وارتحل خاقان، وأظهر أنه يريد سَمَرْقند - وكان الرّهن الذي في أيديهم من ملوكهم - فلما ارتحل خاقان - قال: كورصول للعرب: ارتحلوا قالوا: نكره أن نرتحل والترك لم يمضوا، ولا نأمنهم أن يعرضوا لبعض النساء فتحمى العرب فنصير إلى مثل ما كنا فيه من الحرب.
قال: فكفّ عنهم، حتى مضى خاقان والترك، فلما صلوا الظهر أمرهم كورصول بالرحلة، وقالط: إنما الشدّة والموت والخوف حتى تسيروا فرسخْين، ثم تصيروا إلى قرى متصلة؛ فارتحلوا وفي يد الترك من الرّهن من العرب نفر، منهم شعيب البكريّ أو النصريّ، وسِبَاع بن النعمان وسعيد بن عطية، وفي أيدي العرب من الترك خمسة، قد أردفوا خَلْف كلّ رجل من الترك رجلًا من العرب معه خنجر، وليس على التركيّ غير قَباء، فساروا بهم.
ثم قال العجم لكورصول: إنّ الدبُوسيَة فيها عشرة آلاف مقاتل؛ فلا نأمن أن يخرجوا علينا، فقال لهم العرب: إن قاتلوكم قاتلناهم معكم. فساروا، فلما صار بينهم وبين الدّبُوسيَة قدر فرسخ أو أقلّ نظر أهلها إلى فرسان وبياذقة وجمْع. فظنوا أن كَمَرْجة قَد فُتحت، وأنّ خاقان قصد لهم. قال: وقربنا منهم وقد تأهتوا للحرب؛ فوجّه كليب بن قَنان رجلًا من بني ناجية يقال له الضّحاك على بِرذْون يركض، وعلى الدبُوسيَة عَقيل بن ورّاد السّغديّ، فأتاهم الضّحاك وهم صفوف؛ فرسان ورجّالة، فأخبرهم الخبر، فأقبل أهل الدبُوسيَة يركُضون، فحمِل مَن كان يضعف عن المشي ومَنْ كان مجروحًا.
ثمّ إن كليبًا أرسل إلى محمد بن كرّاز ومحمد بن درْهَم ليُعلِما سِبَاع بن النعمان وسعيد بن عطية أنهم قد بلغوا مأمنهم، ثم خلَّوا عن الرّهن، فجعلت العرب ترسل رجلًا من الرّهن الذي في أيديهم من الترك، وترسل الترك رجلًا من الرّهن الذي في أيديهم من العرب؛ حتى بقيَ سِبَاع بن النعمان في أيدي الترك، ورجل من الترك في أيدي العرب، وجعل كلّ فريق منهم يخاف على صاحبه الغَدْر، فقال سِبَاع: خلّوا رهينة الترك، فخلّوه وبقي سِباع في أيديهم، فقال له كورصول: لمَ فعلت هذا؟ قال: وثقتُ برأيك فيّ، وقلت: ترفَّعُ نفسك عن الغدْر في مثل هذا، فوصله وسلّحه وحمله على برْذون، ورده إلى أصحابه.