الخندق، فنصبوا قبالة ما اتخذوا أبوبًا له؛ فأقعدوا الرُّماة وراءها؛ وفيهم غالب بن المهاجر الطائي عمّ أبي العباس الطوسيّ ورجلان، أحدُهما شيبانيّ والآخر ناجيّ، فجاء فاطلع في الخندق، فرماه الناجى فلم يخطئ قَصبة أنفه، وعليه كاشخودة تبّتيّة، فلم تضرّه الرمية، ورماه الشيبانيّ وليس يرى منه غير عينيه؛ فرماه غالب بن المهاجر، فدخلت النشابة في صدره، فنكس فلم يدخل خاقانَ شيءٌ أشدّ منه.
قال: فيقال: إنه إنما قتل الحجاج وأصحابه يومئذ لما دخله من الجَزع، وأرسل إلى المسلمين أنه ليس منْ رأينا أن نرتحل عن مدينة ننزلها دون افتتاحها، أو نرحّلهم عنها. فقال له كليب بن قَنَان: وليس من ديننا أن نعطي بأيدينا حتى نُقْتَل، فاصنعوا ما بدا لكم؛ فرأى الترك أن مقامهم عليهم ضرر، فأعطوهم الأمان على أن يرحل هو وهم عنهم بأهاليهم وأموالهم إلى سَمَرْقند أو الدَّبُوسيّة، فقال لهم: اختاروا لأنفسكم في خُروجكم مِن هذه المدينة.
قال: ورأى أهل كَمَرْجة ما هم فيه من الحِصار والشدّة، فقالوا: نشاور أهل سَمَرْقند، فبعثوا غالب بن المهاجر الطاليّ، فانحدر في موضع من الوادي، فمضى إلى قصر يسمى فرزاونة، والدّهقان الذي بها صديق له، فقال له: إنّي بُعِثت إلى سَمَرْقند؛ فاحْمِلْني، فقال: ما أجد دابة إلَّا بعض دوابّ خاقان، فإن في روضة خمسين دابة؛ فخرجا جميعًا إلى تلك الرَّوْضة، فأخذ برذونًا فركبه، وكان إلْفه برْذون آخر، فتبعه فأتى سَمَرْقند من ليلته، فأخبر هم بأمرهم، فأشاروا عليه بالدّبُوسيَة، وقالوا: هي أقرب، فرجع إلى أصحابه، فأخذوا من الترك رهائن ألَّا يعرِضوا لهم، وسألوهم رجلًا من الترك يتقوَّوْن به مع رجال منهم، فقال لهم الترك: اختاروا مَنْ شئتم، فاختاروا كورصول يكون معهم، فكان معهم حتى وصلوا إلى حَيْث أرادوا. ويقال: إن خاقان لما رأى أنه لا يصل إليهم شتم أصحابَه، وأمرهم بالارتحال عنهم؛ وكلمه المختار بن غوزك وملوك السُّغْد وقالوا: لا تفعل أيها الملك؛ ولكن أعطِهم أمانًا يخرجون عنها، ويروْن أنك إنما فعلت ذلك بهم من أجل غوزك أنه مع العرب في طاعتها، وأن ابنه المختار طلب إليك في ذلك مخافة على أبيه، فأجابهم إلى ذلك، فسرّح إليهم كورصول يكون معهم، يمنعهم ممن أرادهم.