النضريّ - فقالوا له: يا حجاج، ألا تَكلَّم؟ قال: عليّ رقباءُ، وأمر خاقان بقطْع الشجر، فجعلوا يلقُون الحطب الرّطب، ويلقى أهل كَمَرْجة الحطَب اليابس، حتى سوّى الخندق، ليقطعوا إليهم، فأشعلوا فيه النيران، فهاجت ريحٌ شديدة - صُنْعًا من الله عزّ وجلّ - قال: فاشتعلت النار في الحطب، فاحترق ما عملوا في ستة أيام في ساعة من نهار، ورميناهم فاوجعناهم وشغلناهم بالجراحات. قال: وأصابتْ بازغري نُشابة في سرتّه، فاحتقن بوله، فمات من ليلته، فقطع أتراكه آذانَهم، وأصبحوا بشرّ، منكّسين رؤوسهم يبكونه، ودخل عليهم أمر عظيم، فلما امتدّ النهار جاؤوا بالأسْرى وهم مئة؛ فيهم أبو العوْجاء العتَكيّ وأصحابه، فقتلوهم، ورمْوا إليهم برأس الحجاج بن حُميد النضريّ، وكان مع المسلمين مثتان من أولاد المشركين كانوا رهائن في أيديهم، فقتلوهم واستماتوا، واشتدّ القتال، وقاموا على باب الخندق فسار على السور خمسة أعلام، فقال كليب: مَنْ لي بهؤلاء؟ فقال ظهير بن مقاتل الطفاويّ: أنا لك بهم، فذهب يسعى. وقال لفتيان: امشوا خلْفِي، وهو جريح، قال: فقتل يومئذ من الأعلام اثنان، ونجا ثلاثة. قال: فقال ملك من الملوك لمحمد بن وساج: العجَب أنه لم يبقَ ملِك فيما وراء النهر إلَّا قاتل بكَمَرْجة غيري، وعزّ عليّ ألا أقاتل مع أكفائي ولم ير مكاني. فلم يزل أهلُ كمَرْجة بذلك؛ حتى أقبلت جنود العرب، فنزلت فَرْغانة، فعيَّر خاقانُ أهلَ السُّغد وفرغانة والشاش والدهاقين، وقال لهم: زعمتم أن في هذه خمسين حمارًا، وأنّا نفتحها في خمسة أيام؛ فصارت الخمسة الأيام شهريْن، وشتمهم وأمرهم بالرحلة، فقالوا: ما ندع جُهدًا، ولكن أحضرنا غدًا فانظر؛ فلما كان من الغد جاء خاقان فوقف، فقام إليه ملك الطارَبَنْد؛ فاستأذنه في القِتال والدّخول عليهم، قال: لا أرى أن تقاتل في هذا الموضع - وكان خاقان يعظّمه - فقال: اجعل لي جاريتيْن من جواري العرب، وأنا أخرج عليهم؛ فأذن له، فقاتل فقتل منهم ثمانية، وجاء حتى وقف على ثُلْمة وإلى جنب الثلمة بيت فيه خَرْق يفضِي إلى الثلْمة، وفي البيت رجلٌ من بني تميم مريض، فرماه بكَلُّوب فتعلق بدرعه، ثم نادى النساء والصبيان، فجذبوه فسقط لوجهه وركبته؛ ورماه رجلٌ بحجَر؛ فأصاب أصلَ أذنه فصُرع، وطعنه رجل فقتله، وجاء شابّ أمرد من الترك، فقتله وأخذ سلبه وسيفه، فغلبناهم على جسده - قال: ويقال: إنّ الذي انتدب لهذا فارس أهل الشاش - فكانوا قد اتخذوا صنَاعًا، وألصقوها بحائط