التقوْا دعا إلى البراز، فبرز له الحارث بن سُريج؛ فضربه فَوْق منكبه الأيسر فصرعه، وحامى عليه أصحابه فحملوه فخولط، فكان يقول: يا أبرشهر الحارث بن سريجاه! يا أصحاب المعموراه! ورمِيَ فرس الحارث بن سريج في لَبَانه، فنزع النّشابة؛ واستحضره وألخ عليه بالفحرب حتى نزّقه (١) وعرّقه، وشغله عن ألم الجراحة.
قال: وحمل عليه رجل من أهل الشأم؛ فلما ظنّ أن الرمح مخالطُه؛ مال عن فرسه واتّبع الشأميّ، فقال له: أسألك بحرمة الإسلام في دمي! قال: انزل عن فرسك؛ فنزل وركبه الحارث، فقال الشأميّ: خذ السرج؛ فوالله إنه خير من الفرس، فقال رجل من عبد القيس:
تَوَلَّتْ قريشٌ لَذَّةَ العَيْشِ واتَّقَتْ ... بنا كُلَّ فَجٍّ من خُراسان أغْبَرا
فلَيتَ قُرَيشًا أصبحوا ذات ليلَةٍ ... يَعومُون في لُجٍّ من البحرِ أخضَرا
قال: وعظّم أهل الشأم يحيى بن حُضَين لما صنع في أمر الكتاب الذي كتبه عاصم، وكتبوا كتابًا، وبعثوا مع محمد بن مسلم العنبري ورجل من أهل الشأم، فلقوا أسد بن عبد الله بالرّيّ - ويقال: لقوه ببيْهق - فقال: ارجعوا فإني أصلح هذا الأمر، فقال له محمد بن مسلم: هُدمتْ داري، فقال: أبنيها لك، وأردُّ عليكم كلّ مظلمة.
قال: وكتب أسد إلى خالد ينتحل أنه هزم الحارث، ويخبره بأمر يحيى. قال: فأجاز خالد يحيى بن حُضين بعشرة آلاف دينار وكساه مئة حُلّة. قال: وكانت ولاية عاصم أقلّ من سنة - قيل كانت سبعة أشهر - وقدم أسد بن عبد الله وقد انصرف الحارث، فحبس عاصمًا وسأله عمّا أنفق، وحاسبه فاخذه بمئة ألف درهم؛ وقال: إنك لم تغزُ ولم تخرج من مَرْو، ووافق عمارة بن حُرَيم وعمّال الجُنيد محبوسين عنده؛ فقال لهم: أسير فيكم بسيرتنا أم بسيرة قومكم؟ قالوا: بسيرتك، فخلَّى سبيلَهم.
قال عليّ عن شيوخه: قالوا: لما بلغ هشامَ بن عبد الملك أمرُ الحارث بن سريج، كتب إلى خالد بن عبد الله: ابعث أخاك يصلح ما أفسد؛ فإن كانت رجيَّة
(١) نزقة: ضربه ضربًا شديدًا. القاموس المحيط ص ١١٩٤.