بعدُ، وأخرج معه المشيخة، فيهم كَثِير بن أمية وأبو سليمان بن كثير الخُزاعيّ وفُضَيل بن حيّان المهريّ وسنان بن داود القطعيّ، وكان على أهل العالية سِنان الأعرابيّ السُّلميّ، وعلى الأقباض عثمان بن شباب الهمَذَانيّ، جدّ قاضي مَرْو، فسارت الأثقال؛ فكتب أسد إلى داود بن شُعيب والأصبغ بن ذؤالة الكلبيّ - وقد كان وجّههما في وجه: إنّ خاقان قد أقبل، فانضمّا إلى الأثقال؛ إلى إبراهيم بن عاصم.
قال: ووقع إلى داود والأصبغ رجل دَبُوسيّ، فأشاع أنّ خاقان قد كسر المسلمين وقتل أسدًا.
وقال الأصبغ: إن كان أسد ومَن معه أصيبوا فإنّ فينا هشامًا ننحاز إليه؛ فقال داود بن شعيب: قبح الله الحياة بعد أهل خراسان! فقال الأصبغ: حبّذا الحياة بعد أهل خراسان! قتِل الجرّاح ومن معه فما ضرّ المسلمين كثير ضرّ، فإن هلك أسد وأهل خراسان فلن يخذل الله دينَه، وإنّ الله حيّ قيوم، وأمير المؤمنين حيّ وجنود المسلمين كثير. فقال داود: أفلا ننظر ما فعل أسد فنخرج على علم! فسارا حتى شارفا عسكر إبراهيم فإذا هما بالنِّيران، فقال داود: هذه نيران المسلمين أراها متقاربة ونيران الأتراك متفرّقة؛ فقال الأصبغ: هم في مَضِيق. ودنَوا فسمعوا نهيق الحمير، فقال داود: أما علمت أنّ الترك ليس لهم حمير! فقال الأصبغ: أصابوها بالأمس؛ ولم يستطيعوا أكلها في يوم ولا اثنين؛ فقال داود: نسرّح فارسين فيكبِّران؛ فبعثا فارسين؛ فلما دنوَا من العسكر كبّرا، فأجابهما العسكر بالتكبير، فأقبلوا إلى العسكر الذي فيه الأثقال؛ ومع إبراهيم أهل الصغَانيان وصَغان خُذاه؛ فقام إبراهيم بن عاصم مبادرًا.
قال: وأقبل أسد من الختّل نحو جبل المِلْح يريد أن يخوض نهر بَلْخ، وقد قطع إبراهيم بن عاصم بالسْبي وما أصاب، فأشرف أسد على النهر وقد أتاه أن خاقان قد سار من سوياب لممبع عشرة ليلة، فقام إليه أبو تمام بن زَحْر وعبد الرحمن بن خنفر الأزديّان، فقالا: أصلح الله الأمير! إن اللهُ قد أحسن بلاءك في هذء الغزوة فغنمت وسلمت فاقطعْ هذه النّطفة، واجعلها وراء ظهرك، فأمر بهما فُوجئَت رقابهما، وأُخِرجَا من العسكر وأقام يومه. فلما كان من الغد ارتحلَ وفي النّهر ثلاثة وعشرون موضعًا يخوضه النّاس، وفي موضع مجتمع ماء