يبلغ دفّتي السّرج، فخاضه الناس، وأمر أن يحمل كلّ رجل شاة، وحمل هو بنفسه شاة؛ فقال له عثمان بن عبد الله بن مطرِّف بن الشِّخِّير: إنّ الذي أنت فيه من حمل الشاة ليس بأخطر مما تخاف؛ وقد فرّقتَ الناس وشغلتهم، وقد أظلك عدوّك، فدَعْ هذا الشاء لعنة الله عليه، وأمر الناس بالاستعداد. فقال أسد: والله لا يعبُر رجل ليست معه شاة حتى تفنى هذه الغنم إلَّا قطعت يدَه، فجعل الناس يحملون الشّاء؛ الفارس يحملها بين يديه والراجل على عُنقه؛ وخاض الناس. ويقال: لما حفرت سنابك الخيل النهر صار بعض المواضع سباخة فكان بعضهم يميل فيقع عن دابته، فأمر أسد بالشاء أن تقذف، وخاض الناس، فما استكملوا العبور حتى طلعت عليهم الترك بالدّهْم، فقتلوا مَن لم يقطع، وجعل الناس يقتحمون النّهر - ويقال كانت المسلحة على الأزْد وتميم، وقد خُلِّف ضَعفة الناس - وركب أسد النّهر، وأمر بالإبل أن يقطع بها إلى ما وراء النهر، حتى تحمل عليها الأثقال؛ وأقبل رَهَجٌ من ناحية الخُتَّل؛ فإذأ خاقان؛ فلما توافَى معه صدْر من جنده حمل على الأزْد وبني تيم فانكشفوا، وركض أسد حتى انصرف إلى معسكره، وبعث إلى أصحاب الأثقال الذين كان سرّح أمامه: أن انزلوا وخندقوا مكانكم في بطن الوادي. قال: وأقبل خاقان، فظنّ المسلمون أنه لا يقطع إليهم وبينهم وبينه النهر؛ فلما نظر خاقان إلى النّهر أمر الأشكند - وهو يومئذ أصبهبذ نسف - أن يسير في الصفّ حتى يبلغ أقصاه، ويسأل الفرسان وأهل البَصر بالحرب والماء: هل يطاق قطوع النهر والحمل على أسد؟ فكلّهم يقول: لا يطاق؛ حتى انتهى إلى الأشتيخَن، فقال: بلى يطاق، لأنّا خمسون ألف فارس؛ فإذا نحن اقتحمنا دفعة واحدة ردّ بعضنا عن بعض الماء فذهب جَرْيته، قال: فضربوا بكوساتهم (١) فظنّ أسد ومن معه أنه منهم وعيد، فأقحموا دوابّهم، فجعلت تنخر أشدّ النخير؛ فلما رأى المسلمون اقتحامَ الترك ولّوا إلى العسكر، وعبرت الترك فسطع رَهَجٌ عظيم لا يبصر الرّجل دابّته، ولا يعرف بعضهم بعضًا؛ فدخل المسلمون عسكَرهم وحَوَوا ما كان خارجًا، وخرج الغلمان بالبراذِع والعَمد، فضربوا الترك؛ فأدبروا، وبات أسد؛ فلما أصبح - وقد كان عبّأ أصحابه من الليل تخوّفًا مِنْ غَدْر خاقان وغدوّه عليه، ولم ير شيئًا - دعا وجوه