للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس فاستشارهم، فقالوا له: اقبل العافية، قال: ما هذه عافية، بل هي بليَّة، لقينا خاقان أمس فظفر بنا وأصاب من الجند والسلاح؛ فما منعه منّا اليوم إلَّا أنه قد وقع في يديه أسراء فأخبروه بموضع الأثقال أمامنا، فترك لقاءنا طمعًا فيها، فارتحل فبعث أمامه الطلائع، فرجع بعضهم فأخبره أنه عاين طوقات (١) الترك وأعلامًا من أعلام الإشكند، في بشر قليل، فسار والدوابّ مثقلة، فقيل له: انزل أيها الأمير واقبل العافية، قال: وأين العافية فأقبلَها! إنما هي بليّة وذهاب الأنفس والأموال. فلما أمسى أسد صار إلى منزل، فاستشار الناس: أينزلون أم يسيرون؟ فقال الناس: اقبل العافية؛ وما عسى أن يكون ذهاب المال بعافيتنا وعافية أهل خراسان! ونصر بن سيار مطرق، فقال أسد: ما لك يا بن سيار مطرقًا لا تتكلم! قال: أصلح الله الأمير! خَلّتان كلتاهما لك، إن تَسِرْ تُغِثْ مَنْ مع الأثقال وتخلّصهم، وإن أنت انتهيت إليهم وقد هلكوا فقد قطَعتَ قُحْمة لابدّ من قطوعها، فقبل رأيه وسار يومه كلّه.

قال: ودعا أسد سعيدًا الصغير - وكان فارسًا مولى باهلة، وكان عالمًا بأرض الخُتّل - فكتب كتابًا إلى إبراهيم يأمره بالاستعداد؛ فإنّ خاقان قد توجّه إلى ما قِبَلك، وقال: سِرْ بالكتاب إلى إبراهيم حيث كان قبل الليل؛ فإن لم تفعل فأسد بريء من الإسلام إن لم يقتلْك؛ وإن أنت لحقت بالحارث فعلى أسدٍ مثلُ الذي حلَف، إن لم يغ امرأتك الدلّالُ في سوق بلْخ وجميع أهل بيتك. قال سعيد: فادفع إليّ فرسك الكُميت الذَّنوب (٢) قال: لعمري لئن جُدْتَ بدمك، وبخلتُ عليك بالفرس إني للئيم. فدفعه إليه. فسار على دابّة من جنائبه، وغلامه على فرس له، ومعه فرس أسد يجنُبه، فلمّا حاذى الترك وقد قصدوا الأثقال طلبته طلائعهم؛ فتحوّل على فرس أسد، فلم يلحقوه، فأتى إبراهيم بالكتاب، وتَبِعه بعض الطلائع - يقال عشرون رجلًا - حتى رأوْا عسكر إبراهيم، فرجعوا إلى خاقان فأخبروه. فغدا خاقان على الأثقال، وقد خندق إبراهيم خندقًا، فأتاهم وهم قيام عليه؛ فأمر أهل السُّغد بقتالهم؛ فلما دنوا من مسلحة المسلمين ثاروا في وجوههم فهزموهم، وقتلوا منهم رجلًا، فقال خاقان: اركبوا، وصعد خاقان


(١) في اللسان: الطاق: ضرب من الملابس، قيل: هو الطيلسان الأخضر. [اللسان (١٠/ ٢٣٣)].
(٢) الكميت: الذي خالط حمرته قنوء، والذنوب: الفرس الوافر الذنب. القاموس المحيط ص ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>