تلًا فجعل ينظر العورة، ووجّه القتال، قال: وهكذا كان يفعل؛ ينفرد في رجلين أو ثلاثة، فإذا رأى عَوْرة أمر جنوده فحملت من ناحية العَوْرة، فلما صعد التلّ رأى خلف العسكر جزيرة دونها مخاضة، فدعا بعض قوّاد الترك، فأمره أن يقطعوا فوق العسكر في مقطع وصفه حتى يصيروا إلى الجزيرة، ثم ينحدروا في الجزيرة حتى يأتوا عسكر المسلمين من دُبُر، وأمرهم أن يبدؤوا بالأعاجم وأهل الصغانيان، وأن يدَعوا غيرهم؛ فإنهم من العرب، وقد عرفهم بأبنيتهم وأعلامهم، وقال لهم: إن أقام القوم في خندقهم فأقبلوا إليكم دخلنا نحن خندقهم؛ وإن ثبتوا على خندقهم فادخلوا من دُبُره عليهم، ففعلوا ودخلوا عليهم من ناحية الأعاجم، فقتلوا صغان خُذاه وعامّة أصحابه، واحتووا على أموالهم، ودخلوا عسكر إبراهيم فأخذوا عامة ما فيه، وترك المسلمون التعبئة واجتمعوا في موضع، وأحسوا بالهلاك، فإذا رهج قد ارتفع وتربة سوداء؛ فإذا أسد في جنده قد أتاهم، فجعلت الترك ترتفع عنهم إلى الموضع الذي كان فيه خاقان، وإبراهيم يتعجب من كَفّهم وقد ظفروا وقتلوا مَنْ قتلوا وأصابوا ما أصابوا، وهو لا يطمع في أسد.
قال: وكان أسد قد أغذّ السير، فأقبل حتى وقف على التّلّ الذي كان عليه خاقان، وتنحّى خاقان إلى ناحية الجبل، فخرج إليه مَن بقي ممّن كان مع الأثقال، وقد قتِل منهم بشرٌ كثير؛ قتل يومئذ بركة بن خوْليّ الراسبيّ وكثير بن أمية ومشيخة من خُزاعة، وخرجت امرأة صَغان خُذاه إلى أسد، فبكت زوجها، فبكى أسد معها حتى علا صوته، ومضى خاقان يقود الأسراء من الجند في الأوْهاق (١) ويسوق الإبل موقَرة والجواري.
قال: وكان مصعب بن عمر والخزاعيّ ونفر من أهل خراسان قد أجمعوا على موافقتهم فكفّهم أسد، وقال: هؤلاء قوم قد طابت لهم الرّيح واستكلبوا، فلا تعرّضوا لهم، وكان مع خاقان رجل من أصحاب الحارث بن سُريج فأمره فنادى: يا أسد؛ أما كان لك فيما وراء النهر مغزى! إنك لشديد الحرْص، قد كان لك عن الخُتّل مندوحةٌ، وهي أرض آبائي وأجدادي. فقال أسد: كان ما رأيت؛ ولعلّ الله