للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينتقم منك. قال كورمغانون - وكان من عظماء الترك: لم أرَ يومًا كان أحسن من يوم الأثقال، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: أصبت أموالًا عظيمة، ولم أر عدوًّا أسمجَ من أسراء العرب، يعدو أحدهم فلا يكاد يبرح مكانه.

وقال بعضهم: سار خاقان إلى الأثقال، فارتحل أسد؛ فلما أشرف على الظّهر، ورأى المسلمين الترك امتنعوا وقد كانوا قاتلوا المسلمين فامتنعوا فأتوا الأعاجم الذين كانوا مع المسلمين فقاتلوهم، فأسروا أولادهم.

قال: فأردف كلّ رجل منهم وصيفًا أو وصيفة، ثم أقبلوا إلى عسكر أسد عند مغيب الشمس. قال: وسار أسدٌ بالنّاس، حتى نزل مع الثقل. وصبَّحوا أسدًا من الغدِ؛ وذلك يوم الفِطْر، فكادوا يمنعونهم من الصلاة. ثم انصرفوا ومضى أسد إلى بلْخ، فعسكر في مَرْجها حتى أتى الشتاء، ثم تفرّق الناس في الدور، ودخل المدينة، ففي هذه الغَزاة قيل له بالفارسية:

أَزْ خُتَّلانْ آمديه ... بَرُوتباهْ آمَديه

آبار بازْ آمَديه ... خُشك نزارآمَديه

قال: وكان الحارث بن سريج بناحية طَخارستان؛ فانضمّ إلى خاقان؛ فلمّا كان ليلة الأضحى قيل لأسد: إن خاقان نزل جزّة، فأمر بالنِّيران فرفعت على المدينة، فجاء الناس من الرّساتيق إلى مدينة بلْخ، فأصبح أسد فصلّى وخطب الناس، وقال: إن عدوّ الله الحارث بن سُريج استجلب طاغيته ليطفئ نور الله، ويبدّل دينه، والله مذلّه إن شاء الله، وإن عدوّكم الكلب أصاب من إخوانكم مَنْ أصاب، وإن يُرِدِ الله نصركم لم يضرّكم قلّتكم وكثرتُهم، فاستنصروا الله، وقال: إنه بلغني أنه العبد أقربُ ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله؛ وإني نازل وواضع جبهتي، فادعوا الله واسجدوا لرّبكم، وأخلصوا له الدعاء، ففعلوا ثم رفعوا رؤوسهم، وهم لا يشكّون في الفتح، ثم نزل عن المنبر، وضحّى وشاورَ الناس في المسير إلى خاقان، فقال قوم: أنت شابٌّ، ولستَ ممن تخوِّف من غارة، على شاة ودابة تخاطر بخروجك. قال: والله لأخرجنّ؛ فإما ظَفر وإما شهادة.

ويقال: أقبل خاقان، وقد استمدّ من وراء النهر وأهل طَخَارستان وجَبْغويه الطُّخاريّ بملوكهم وشاكريّتهم بثلاثين ألفًا، فنزلوا خُلْم، وفيها مسلَحة؛ عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>