أبو العوجاء بن سعيد العبديّ، فناوشهم فلم يظفروا منه بشيء، فساروا على حاميتهم في طريق فيروزبخشين من طخارستان، فكتب أبو العوجاء إلى أسد بمسيرهم. قال: فجمع الناس، فأقرأهم كتاب أبي العوجاء وكتاب الفُرافِصة صاحب مسلحة جَزّة بعد مرور خاقان به، فشاور أسد الناس، فقال قوم: تأخذ بأبواب مدينة بلْخ، وتكتب إلى خالد والخليفة تستمدُّه، وقال آخرون: تأخذ في طريق زمّ، وتسبق خاقان إلى مَرْو.
وقال قوم: بل تخرج إليهم وتستنصر الله عليهم؛ فوافق قولُهم رأيَ أسد وما كان عزم عليه من لقائهم، ويقال: إن خاقان حين فارق أسدًا، ارتفع حتى صار بأرض طخارستان عند جبغويه، فلمّا كان وسط الشتاء أقبل فمرَّ بجزَّة، وصار إلى الجوزجان وبثّ الغارات؛ وذلك أن الحارث بن سريج أخبره أنه لا نهوض بأسد، وأنه لم يبق معه كبير جند؛ فقال البختريّ بن مجاهد مولى بني شيبان: بل بثّ الخيول حتى تنزل الجوزجان، فلما بثّ الخيل، قال له البحتريّ: كيف رأيت رأيي؟ قال: وكيف رأيتَ صنع الله عز وجل حين أخِذ برأيك فأخذ أسد من جبلة بن أبي روّاد عشرين ومئة ألف درهم، وأمر للناس بعشرين عشرين، ومعه من الجنود من أهل خراسان وأهل الشام سبعة آلاف رجل، واستخلف على بَلْخ الكرمانيَّ بن عليّ، وأمره ألَّا يدع أحدًا يخرج من مدينتها، وإن ضرب الترك باب المدينة. فقال له نصر بن سيار الليثيّ والقاسم بن بُخيت المراغيّ من الأزد وسليم بن سليمان السُّلميّ وعمروبن مسلم بن عمرو ومحمد بن عبد العزيز العتكيّ وعيسى الأعرج الحنظليّ والبختريّ بن أبي درهم البكريّ وسعيد الأحمر وسعيد الصغير مولى باهلة: أصلح الله الأمير؛ ائذن لنا في الخروج، ولا تهجّن طاعتنا، فأذن لهم ثم خرج فنزل بابًا من أبواب بلْخ وضُرِبت له قُبّةٌ فازتان (١) وألصق إحداهما بالأخرى، وصلى بالناس ركعتين طوّلهما، ثم استقبل القبلة ونادى في الناس: ادعوا الله؛ وأطال في الدعاء، ودعا بالنّصر، وأمَّن الناس على دعائه، فقال: نُصرتم وربّ الكعبة! ثم انفتل من دعائه فقال: نصرتم وربّ الكعبة إن شاء الله، ثلاث مرات، ثم نادى مناديه: برئتْ ذمّة الله من رجل حمل امرأة ممّن كان من الجند، قالوا: إنّ أسدًا إنما خرج هاربًا، فخلَّف أمْ بكر أمَّ ولده
(١) الفازة: بناء من خرق وغيرها يبنى للعساكر. لسان العرب (٥/ ٣٩٣).