للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٧ - ثم إنّ الله عزّ وجل أمر نبيّه محمّدًا - صلى الله عليه وسلم - بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدِع بما جاءه منه، وأن يبادِيَ الناسَ بأمره، ويدعوَ إليه، فقال له: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} وكان قبل ذلك - في السّنين الثلاث من مبعثه؛ إلى أن أمر بإظهار الدّعاء إلى الله - مستسرًّا مخفيًا أمره - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}، قال: وكان أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلَّوْا ذهبوا إلى الشِّعاب، فاستخفوْا من قومهم؛ فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلُّون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون؛ حتى قاتلوهم، فاقتتلوا، فضرب سعد بن أبي وقّاص يومئذ رجلًا من المشركين بلَحْيِ جملٍ فشجّه، فكان أوّلَ دم أهَرِيق في الإسلام.

فحدّثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا: حدَّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سَعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس، قال: صعِد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم الصَّفَا، فقال: يا صَبَاحاه! فاجتمعتْ إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ قال: أرأيتكم إنْ أخبرتكم أنّ العدوّ مصبّحكم أو ممسِّيكم، أما كنتم تصدّقونني؟ ! قالوا: بَلى؟ قال: فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد. فقال أبو لهب: تبًّا لك! ألهذا دعوتنا -أو جمعتنا! فأنزل الله عزّ وجلّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (١) إلى آخر السورة. (٢: ٣١٨/ ٣١٩).

٢٨ - حدَّثنا أبو كُرَيب، قال: حدَّثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: لما نزلتْ هذه الآية: {وَأَنْذِرْ


= جدير بالذكر في سبب الاختلاف في تحديد أسماء من أسلموا بادئ ذي بدء بعد خديجة رضي الله عنها فيقول: ويبدو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخبره بأسماء سائر من أسلم وإنما سمّى أبا بكر وبلالًا فقط حرصًا على سلامة من أسلم من الأذى وربما لأنه إنما أسلم بعد إجابة سؤاله عمن أسلم يومئذ، وتعبير عمرو بن عبسة: (فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الإسلام) إنما هو بحسب ما بدا له وإلّا فقد كان عدد المسلمين أكثر من ذلك في المرحلة التي أظهرت فيها قريش جرأتها على الإسلام وأذاها للمسلمين كما يدل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا ترى حالي وحال الناس! ).
(١) رجاله رجال الصحيح غير أن الأعمش مدلس وقد عنعن هنا إلا أنه صرّح بالتحديث كما سيأتي في الرواية التالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>