للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ذكر الخبر عن مخرجه ومقتله:

ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنّى أن بُهْلولًا كان يتألّه (١)، وكان له قوت دانق، وكان مشهورًا بالبأس عند هشام بن عبد الملك، فخرج يريد الحجّ، فأمر غلامه أن يبتاع له خلًا بدرهم، فجاءه غلامه بخمر، فأمر بردّها وأخْذ الدراهم، فلم يُجَب إلى ذلك، فجاء بُهلول إلى عامل القرية - وهي من السواد - فكلّمه، فقال العاسل: الخمر خير منك ومن قومك؛ فمضى بهلول في حجّه حتى فرغ منه، وعزم على الخروج على السلطان، فلقيَ بمكة مَن كان على مثل رأيه، فاتّعدوا قرية من قرى الموصل، فاجتمع بها أربعون رجلًا، وأمّروا عليهم البهلول، وأجمعوا على ألَّا يمرّوا بأحد إلَّا أخبروه أنّهم أقبلوا من عند هشام على بعض الأعمال، ووجّههم إلى خالد ليُنفذِهم في أعمالهم، فجعلوا لا يمرّون بعامل إلَّا أخبروه بذلك. وأخذوا دوابّ من دوابّ البريد، فلما انتهوا إلى القرية التي كان ابتاع فيها الغلام الخلّ فأعطِيَ خمرًا، قال بهلول: نبدأ بهذا العامل الذي قال ما قال؛ فقال له أصحابه: نحن نريد قتل خالد؛ فإن بدأنا بهذا شُهِرنا وحذِرَنا خالد وغيره؛ فننشدك الله أن تقتل هذا فيفلت منا خالد الذي يهدم المساجد؛ ويبني البيعَ والكنائس، ويولِّي المجوس على المسلمين، ويُنكح أهلَ الذّمة المسلمات، لعلنا نقتله فيريح الله منه. قال: والله لا أدَعُ ما يلزمني لما بعده؛ وأرجو أن أقتل هذا الذي قال لي ما قال وأدرك خالدًا فأقتله؛ وإن تركتُ هذا وأتيتُ خالدًا شُهر أمرنا فأفلت هذا، وقد قال الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (٢)، قالوا: أنت ورأيك، فأتاه فقتله، فنذر بهم الناس وعلموا أنهم خوارج، وابتدروا إلى الطريق هزابًا، وخرجت البرُد إلى خالد فأخبروه أن خارجةً قد خرجت؛ وهم لا يدرون حينئذ مَن رئيسهم.

فخرج خالد من واسط حتى أتى الحِيرة وهو حينئذ في الحلَق، وقد قدم في تلك الأيام قائد من أهل الشأم من بني القَيْن في جيش قد وَجّهوا مددًا لعامل خالد على الهند، فنزلوا الحيرة، فلذلكَ قصدها خالد، فدعا رئيسهم فقال: قاتلْ هؤلاء المارقة؛ فإنّ من قتل منهم رجلًا أعطيته عطاء سوى ما قبض بالشأم، وأعفيته من الخروج إلى أرض الهند - وكان الخروج إلى أرض الهند شاقًّا عليهم -


(١) يتأله: يتعبد. القاموس المحيط ص ١٦٠٣.
(٢) سورة التوبة: ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>