يدي الوالي إلي كلّ غاية، ثم يقومان فلا يُعيدان مما كان بينهما حرفًا، فلما مات جعر قال عبد الله: من يكفينا زيدًا؟ قال حسن بن حسن بن حسن: أنا أكفيكه، قال: كلًا، إنا نخاف لسانَك ويدَك؛ ولكني أنا. قال: إذًا لا تبلغ حاجتَك وحُجَّتك، قال: أما حُجَّتي فسأبلغُها؛ فتنازعا إلي الوالي -والوالي يومئذ عندهم فيما قيل إبراهيم بن هشام- قال: فقال عبد الله لزيد: أتطمع أن تنالها وأنتَ لأمَةٍ سنِدّية! قال: قد كان إسماعيل لأمَة؛ فنال أكثر منها؛ فسكت عبد الله، وتبالغا يومئذ كلّ غاية؛ فلما كان الغد أحضرهم الوالي، وأحضر قريشًا والأنصار، فتنازعا، فاعترض رجل من الأنصار، فدخل بينهما، فقال له زيد: وما أنت والدخول بيننا، وأنت رجل من قحطان! قال: أنا والله خيرٌ منك نفسًا وأبًا وأمًّا. قال: فسكت زيد، وانبري له رجلٌ من قريش فقال: كذبتَ، لعمرُ الله لهو خير منك نفسًا وأبًا وأمًّا وأوّلًا وآخرًا، وفوق الأرض وتحتها، فقال الوالي: وما أنت وهذا! فأخذ القرشيّ كفًا من الحصي، فضرب به الأرض وقال: والله ما علي هذا من صَبْر، وفطن عبد الله وزيد لشماتة الوالي بهما، فذهب عبدُ الله ليتكلّم، فطلب إليه زيد فسكت، وقال زيد للوالي: أمّا والله لقد جمعتَنا لأسر ما كان أبو بكر ولا عمر ليجمعانا علي مثله؛ وإني أشهِد الله ألّا أنازعَه إليك محقًّا ولا مبطلًا ما كنتُ حيًّا، ثم قال لعبد الله: انهض يا بن عمّ؛ فنهضا وتفرّق الناس.
وقال بعضهم: لم يزل زيد ينازع جعفَر بن حسن ثم عبد الله بعده؛ حتي ولّي هشام بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المدينة، فتنازعا، فأغلظ عبد الله لزيد، وقال: يا بن الهندكيّة، فَتضاحك زيد، وقال: قد فعلتها يا أبا محمد! ثم ذكر أمّه بشيء.
وذكر المدائنيّ أن عبد الله لما قال ذلك لزيد قال زيد: أجلْ والله، لقد صبرتْ بعد وفاة سيّدها فما تعتّبتَ بابها إذ لم يصبر غيرُها، قال: ثم ندم زيد واستحيا من عمته؛ فلم يدخل عليها زمانًا، فأرسلت إليه: يابن أخي، إني لأعلم أنّ أمّك عندك كأمّ عبد الله عنده.
وقيل: إن فاطمة أرسلتْ إلي زيد: إن سبّ عبد الله أمَّك فاسببْ أمّه؛ وأنها قالت لعبد الله: أقلت لأمّ زيد كذا وكذا؟ قال: نعم، قالت: فبئس والله ما صنعت! أما والله لنعم دخيلة القوم كانت!