للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغه أمر زيد، وأنه يدسّ إليه، ويستبحث عن أمره، اجتمعت إليه جماعة من رؤوسهم، فقالوا: رحمَك الله! ما قولك، في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما، ما سمعتُ أحدًا من أهل بيتي يتبرّأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيرًا، قالوا: فلم تطلب إذًا بدم أهل هذا البيت إلّا أن وثبا علي سلطانكم فنزعاه من أيديكم! فقال لهم زيد: إن أشدّ ما أقول فيما ذكرتم أنّا كنا أحقّ بسلطان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الناس أجمعين، وإنّ القوم استأثروا علينا، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرًا، قد وُلّوا فعَدَلوا في الناس، وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا: فلم يظلمك هؤلاء! وإن كان أولئك لم يظلموك، فلمَ تدعو إلي قتال قوم ليسوا لك بظالمين! فقال: وإنّ هؤلاء ليسوا كأولئك؛ إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم؛ وإنما ندعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وإلي السنن أن تُحيا، وإلي البِدَع أن تُطفأ؛ فإن أنتم أجبتمونا سعِدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعتَه، وقالوا: سبق الإمام- وكانوا يزعمون أنّ أبا جعفر محمد بن عليّ أخا زيد بن عليّ هو الإمام -وكان قد هلك يومئذ- وكان ابنه جعفر بن محمد حيًا، فقالوا: جعفر إمامنا اليومَ بعد أبيه؛ وهو أحق بالأمر بعد أبيه؛ ولا نتبَع زيد بن عليّ فليس بإمام. فسمّاهم زيد الرّافضة، فهم اليوم يزعمون أن الذي سماهم الرافضة المغيرة (١) حيث فارقوه، وكانت منهم طائفة قبل خروج زيد مرّوا إلي جعفر بن محمد بن عليّ، فقالوا له: إن زيد بن عليّ فينا يبايع؛ أفتري لنا أن نبايعه؟ فقال لهم: نعم بايعوه، فهو والله أفضلُنا وسيدنا وخيرُنا فجاؤوا، فكتموا ما أمرهم به.

قال: واستتبّ لزيد بن عليّ خروجه، فواعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومئة.

وبلغ يوسفَ بن عمر أنّ زيدًا قد أزمع علي الخروج، فبعث إلي الحكَم بن الصلت، فأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرُهم فيه، فبعث الحكم إلي العُرَفاء والشُّرط والمناكب (٢) والمقاتلة، فأدخلهم المسجد، ثم نادي مناديه: ألا إنّ الأمير يقول: مَنْ أدركناه في رحلة فقد برئت منه الذّمّة؛ ادخلوا


(١) هو المغيرة بن سعيد العجلي، وانظر ص ١٢٨، ١٢٩.
(٢) المناكب: قوم دون العرفاء، وفي حديث النخعي: كان يتوسط العرفاء والمناكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>