تركوا طريق البَريد، وتكأدَّوا حتى قدموا بيْهق- وقد كُتِب إلى نصر بقول شُبَيل - وكان إبراهيم بن بسام في الوفْد، فمكر به يوسف، ونعَى له نصرًا، وأخبره أنه قد ولّى الحكم بن الصّلت بن أبي عقيل خُراسان. فقسم له إبراهيم أمر خُراسان كله؛ حتى قدم عليه إبراهيم بن زياد رسول نصر؛ فعرف أنّ يوسف قد مكَر به وقال: أهلكني يوسف.
وقيل: إن نصرًا أوفد مغراء، وأوفد معه حَمَلة بن نعيم الكلبيّ، فلما قدموا على يوسف، أطمع يوسف مغراء، إن هو تنقّص نصرًا عند هشام أن يوليَه السند، فلما قدما عليه ذكر مَغْراء بأس نصر ونجدته ورأيه، وأطنب في ذلك، ثم قال: لو كان الله متّعنا منه ببقيّة! فاستوى هشام جالسًا، ثم قال: ببقيّة ماذا؟ قال: لا يَعْرِف الرّجل إلا بِجِرْمه، ولا يفهم عنه حتى يُدني منه، وما يكاد يُفهم صوته من الضّعف لأجل كِبَره، فقام حَمَلة الكلبيّ، فغال: يا أميرَ المؤمنين، كذب والله، ما هو كما قال: هو هو. فقال هشام: إن نصرًا ليس كما وصف، وهذا أمر يوسف بن عمر حسدٌ لنصر؛ وقد كان يوسف كتب إلى هشام يذكر كِبَر نصر وضعفه، ويذكر له سَلْم بن قتيبة، فكتب إليه هشام: الْهُ عن ذكر الكنانيّ، فلما قدم مغراء علي يوسف، قال له: قد علمتَ بلاء نصر عندي، وقد صنعتُ به ما قد علمتَ، فليس لي في صحبته خير، ولا لي بخراسان مقام؛ فأمره بالمقام، وكتب إلى نصر: إني قد حوّلت اسمَه، فأشخص إليّ مَن قِبَلك من أهله.
وقيل: إنّ يوسف لما أمر مغراء بعيب نَصْر، قال: كيف أعيبه مع بلائه وآثاره الجميلة عندي وعند قومي! فلم يزل به، فقال: فبِمَ أعيبه؟ أعيب تجربته أم طاعته؟ أم يُمْن نقيبته أم سياسته؟ قال: عِبْه بالكِبَر، فلما دخل علي هشام تكلم مغراء، فذكر نصرًا بأحسن ما يكون، ثم قال في آخر كلامه: لولا ... ، فاستوى هشام جالسًا، فقال: ما لولا! قال: لولا أنّ الدهر قد غلب عليه، قال: ما بلغ به ويحك الدهرُ! قال: ما يعرِف الرّجل إلا من قريب، ولا يعرفه إلا بصوته، وقد ضعُف عن الغَزْو والرّكُوب، فشقّ ذلك على هشام، فتكلّم حَمَلة بن نُعيم، فلما بلغ نصرًا قول مغْراء بعث هارون بن السياوش إلى الحكم بن نُميلة، وهو في السرّاجيق يعرض الجند، فأخذ برجله فسحبه عن