مسلمة بن عبد الملك، قال: ورأي هشام يومًا سالمًا في موكب، فزجره وقال: لأعلمنّ متي سرتَ في موكب. وكان يقدم الرجل الغريب فيسير معه، فيقف سالم، ويقول: حاجتك، ويمنعه أن يسير معه، وكان سالم كأنه هو أمّر هشامًا.
قال: ولم يكن أحدٌ من بني مَرْوان يأخذ العطاء إلا عليه الغزْو؛ فمنهم مَنْ يغزو، ومنهم من يُخرج بدلًا.
قال: وكان لهشام بن عبد الملك مولي يقال له يعقوب، فكان يأخذ عطاء هشام مئتي دينار ودينارًا، يفضّل بدينار، فيأخذها يعقوب ويغزو، وكانوا يصيّرون أنفسَهم في أعوان الدّيوان، وفي بعض ما يجوّز لهم المقام به، ويوضع به الغَزْو عنهم، وكان داود وعيسي ابنا عليّ بن عبد الله بن عباس، -وهما لأم- في أعوان السّوق بالعراق لخالد بن عبد الله، فأقاما عنده، فوصلهما، ولولا ذلك لم يستطع أن يحبسهما، فصيّرهما في الأعوان، فسمَرا، وكانا يسامرانه ويحدّثانه.
قال: فولَّى هشام بعض مواليه ضيعةً له، فعمَّرها فجاءت بغلَّة عظيمة كبيرة ثم عمَّرها أيضًا، فأضعفت الغلّة، وبعث بها مع ابنه، فقدم بها علي هشام، فأَخبره خبر الضَّيْعة فجزاه خيرًا، فرأي منه انبساطًا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي حاجة، قال: وما هي؟ قال: زيادة عشرة دنانير في العطاء، فقال: ما يخيّل إلى أحدكم أن عشرة دنانير في العطاء إلا بقدر الجوْز! لا لعمري لا أفعل.
حدّثني أحمد، قال: حدثنا عليّ، قال: قال حماد الأبحّ: قال: هشام لغيْلان: ويحك يا غيلان! قد أكثر الناس فيك، فنازعنْا بأمرك، فإن كان حقًّا اتّبعناك، وإن كان باطلًا نزعتَ عنه، قال: نعم، فدعا هشام ميمون بن مهران ليكلِّمه، فقال له ميمون: سلْ؛ فإنّ أقوي ما تكونون إذا سألتم، قال له: أشاء الله أن يُعصَى؟ فقال له ميمون: أفعُصي كارهًا! فسكت، فقال هشام: أجبه فلم يجبه، فقال له هشام: لا أقالني الله إن أقلته، وأمر بقطع يديه ورجليه.
حدّثني أحمد، قال: حدّثنا عليّ عن رجل من غَنيّ، عن بِشْر مولى هشام، قال: أتِيَ هشامٌ برجل عنده قِيان وخَمْر وبَرْبَط، فقال: اكسروا الطنبور (١) على
(١) الطنبور: من آلات الطرب؛ ذو عنق طويل وستة أوتار، والبربط: العود. القاموس المحيط ص ٥٥٤.