إنّا أُناسٌ مَيّتٌ دِيوَانُنا ... ومتى يُصِبْهُ ندَي الخليفة ينشرِ
فقال له هشام: هذا الذي كنت تحاول، وقد أحسنتَ المسألة، فأمر له بخمسمئة دِرْهم، وألحق له عَيْلًا في العطاء.
قال: وأتي هشامًا محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال: ما لك عندي شيء، ثم قال: إيّاك أن يغرّك أحد فيقول: لم يعرفك أمير المؤمنين؛ إني قد عرفتُك، أنت محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلا تقيمنّ وتُنفق ما معك، فليس لك عندي صلة، فالحق بأهلك.
قال: ووقف هشام يومًا قريبًا من حائط فيه زَيتْون، ومعه عثمان بن حَيّان المريّ، وعثمان قائم يكاد رأسه يوازِي رأسَ أمير المؤمنين وهو يكلمه إذ سمع نفض الزيتون، فقال لرجل: انطلق إليهم فقل لهم: القطوه لقطًا، ولا تنفضوه نفضًا، فتتفقّأ عيونُه، وتتكسَّر غصونه.
قال: وحجّ هشام، فأخذ الأبرش مخنّثين ومعهم البرابط، فقال هشام: احبسوهم وبيعوا متاعهم -وما درى ما هو- وصيِّروا ثمنه في بيت المال، فإذا صلحوا فردّوا عليهم الثمن (١).
وكان هشام بن عبد الملك ينزل الرُّصافة -وهي فيما ذكر- من أرض قنَّسرين. وكان سبب نزوله إياها -فيما حدّثني أحمد بن زهير بن حرب، عن عليّ بن محمد- قال: كان الخلفاء وأبناء الخلفاء يتبدّوْن ويهربون من الطاعون، فينزلون البرّيّة خارجًا عن الناس، فلما أراد هشام أن ينزل الرُّصافة قيل له: لا تخرج؛ فإنّ الخلفاء لا يُطعَنون؛ ولم نرَ خليفة طُعِن، قال: أتريدون أن تجرّبوا بي! فنزل الرُّصافة وهي برّية، ابتني بها قصرين، والرّصافة مدينة رُوميّة بنتْها الروم.
وكان هشام أحول، فحدثني أحمد، عن عليّ، قال: بعث خالد بن عبد الله إلى هشام بن عبد الملك بحادٍ فحَدا بين يديه بأرجوزة أبي النجم:
والشمسُ في الأُفْقِ كعَين الأَحولِ ... صَغْواءُ قد هَمَّتْ ولَمَّا تفَعْلِ
فغضب هشام وطرده.
(١) ذكر الطبري أخبارًا من ص ١٥٤ إلى ص ١٥٥ ولم ينسب هذه الأقوال إلى أحد وإنما ورد الخبر هكذا قال ولم نجد لهذه الأقوال صدى في مصادر متقدمة موثوقة والله أعلم.