للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدار عليهما، فقال: ما لك؟ قلت: أختار خيرَهما، قال: أتختار أيضًا خيرهما وتدع شرّهما لي! دعْهما ونحن نعطيك أربعين درهمًا أو خمسين درهمًا (١).

قال: وأُقطِع هشام أرضًا يقال لها دورين، فأرسل في قَبْضها؛ فإذا هي خراب، فقال لذُوَيْد (كاتب كان بالشأم): ويحك! كيف الحيلة؟ قال: ما تجعل لي؟ قال: أربعمئة دينار، فكتب "دورين وقراها"، ثم أمضاها في الدواوين، فأخذ شيئًا كثيرًا، فلما ولي هشام دخل عليه ذُويَد، فقال له هشام: دورين وقراها! لا والله لا تلي لي ولاية أبدًا، وأخرجه من الشأم. [٧/ ٢٠٣ - ٢٠٥].

قال: وقال بعض آل مروان لهشام: أتطمع في الخلافة وأنت بخيل جبَّان؟ قال: ولمَ لا أطمع فيها وأنا حليم عفيف! .

قال: وقال هشام يومًا للأبرش: أوَضَعَتْ أعنزك؟ قال: إي والله، قال: لكن أعنزي تأخّر ولادها، فاخرج بنا إلى أعنزك نُصِبْ من ألبانها، قال: نعم، أفأقدّم قومًا؟ قال: لا، قال: أفأقدّم خباءً حتى يضرب لنا؟ قال: نعم، فبعث برجلين بخباء فضُرب، وغدا هشام والأبرش وغدا الناس، فقعد هشام والأبرش، كلّ واحد منهما على كرسيّ، وقدّم إلى كلّ واحد منهما شاة، فحلب هشام الشاة بيده، وقال: تعلّم يا أبرش أني لم أبسّ الحلب! ثم أمر بمَلّة فعُجنت، وأوقد النّار بيده، ثم فحصها وألقي الملَّة، وجعل يقلِّبها بالمحراث، ويقول: يا أبرش: كيف تري رفقي! حتى نضجت ثم أخرجها، وجعل يقلّبها بالمحراث، ويقول: جبينك جبينك، والأبرش يقول: لبّيك لبيك -وهذا شيء تقوله الصبيان إذا خُبزت لهم المَلَّة- ثم تغدَّي وتغدّي الناس ورجع.

قال: وقدم علباء بن منظور الليثيّ على هشام، فأنشده:

قالت عُليَّةُ واعْتزْمتُ لِرَحْلةٍ ... زَوْرَاءَ بالأُذْنَيْن ذاتِ تسَدُّرِ

أينَ الرحيلُ وأَهلُ بيتكَ كلّهُمْ ... كَلٌّ عليك كبيرهُمْ كالأَصْغرِ!

فأَصاغِرٌ أَمثالُ سِلكانِ القَطا ... لا في ثَري مالي ولا في مَعْشر

إني إلى ملكِ الشَّآم لَراحِلٌ ... وإِليه يَرْحَلُ كُلّ عبد مُوقَر

فلأترُكَنَّكِ إن حِييتُ غَنِيّة ... بِنَدَى الخليفةِ ذي الفَعالِ الأَزهرِ


(١) في إسناده مجهول وهو راوي الخبر ولم يتابعه أحد فكيف يصح؟

<<  <  ج: ص:  >  >>