للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى حالاتِهم، فقلّده طَوقها، ورمى إليه بأزمّة الخِلافة وعِظم الأمور.

فالحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين لخلافته، ووثائق عُرَى دينه، وذبّ له عما كاده فيه الظالمون، فرفعه ووضعهم؛ فمن أقام على تلك الخسِيسة من الأمور أوْبق (١) نفسه، وأسخطَ ربَّه، ومن عدلتْ به التوبة نازعًا عن الباطل إلى حقّ وجد الله توّابًا رحيمًا.

أُخْبِرُ أميرَ المؤمنين أكرمه الله أني عندما انتهى إليّ من قيامه بولاية خلافة الله، نهضتُ إلى منبري؛ عليّ سيفان مستعدًّا بهما لأهل الغشّ، حتى أعلمت مَنْ قِبلَي ما امتنّ الله به عليهم من ولاية أمير المؤمنين، فاستبشروا بذلك، وقالوا: لم تأتنا ولاية خليفة كانت آمالنا فيها أعظم ولا هي لنا أسرّ من ولاية أمير المؤمنين؛ وقد بسطتُ يدي لبيعتك فجدّدتها ووكَّدتها بوثائق العهود وترداد المواثيق وتغليظ الأيمان، فكلهم حسُنت إجابتُهم وطاعتُهم، فأثبْهم يا أميرَ المؤمنين بطاعتهم من مال الله الذي آتاك؛ فإنك أجودُهم جودًا وأبسطهم يدًا؛ وقد انتظروك راجين فضلَك قِبلَهم بالرّحم الذي استرحموك، وزدْهم زيادة يفضّل بها مَنْ كان قِبلَك؛ حتى يظهر بذلك فضلُك عليهم وعلي رعيّتِك؛ ولولا ما أحاول من سدّ الثغر (٢) الذي أنا به، لخفتُ أن يحملني الشوق إلى أمير المؤمنين أن أستخلف رجلًا على غير أمره، وأقدمَ لمعاينة أمير المؤمنين؛ فإنها لا يعدلها عندي عادل نعمة وإن عظمت؛ فإنْ رأي أمير المؤمنين أن يأذن لي في المسير إليه لأشافهه بأمور كرهتُ الكتاب بها فعل.

فلما وليَ الوليد أجري على زَمْني أهِل الشأم وعميانهم وكسَاهم، وأمر لكل إنسان منهم بخادم، وأخرج لعيالات الناس الطيبَ والكسوة؛ وزادهم على ما كان يخرج لهم هشام، وزاد الناس جميعًا في العطاء عشرة عشرة، ثم زاد أهل الشأم بعد زيادة العشرات عشرة عشرة؛ لأهل الشأم خاصّة، وزاد مَن وفد إليه من أهل بيته في جوائزهم الضِّعْف، وكان وهو وليّ عهد يُطعِم من وفد إليه من أهل الصائفة قافلًا، ويُطعِم من صدَر عن الحجّ بمنزل يقال له زِيزاء ثلاثة أيام،


(١) أوبق نفسه؛ أي أهلكها. القاموس المحيط ص ١١٩٧.
(٢) الثغر: موضع المخافة من فروج البلدان. القاموس المحيط ص ٤٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>