للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطاعة رأس هذا الأمر وذِرْوته وسنامه ومِلاكه وزمامه، وعصمته وقوامه بعد كلمة الإخلاص التي ميّز الله بها بين العباد، وبالطاعة نال المفلحون من الله منازلهم، واستوجبوا عليه ثوابهم، وفي المعصية مما يحلّ بغيرهم من نقماته، ويُصيبهم عليه، ويحقُّ من سخطه وعذابه، وبترك الطاعة والإضاعة لها والخروج منها والإدبار عنها والتبذّل [للمعصية] بها، أهلك الله مَن ضلّ وعَتا، وعمى وغلا، وفارق مناهج البرّ والتقوى.

فالزموا طاعة الله فيما عَراكم ونالكم؛ وألَمَّ بكم من الأمور وناصحوها واستوثقوا عليها، وسارعوا إليها وخالصوها، وابتغوا القُرْبة إلى الله بها؛ فإنكم قد رأيتم مواقع الله لأهلها في إعلائه إياهم، وإفلاجه (١) حجّتهم، ودفعه باطل مَنْ حادّهم وناوأهم وساماهم، وأراد إطفاء نور الله الذي معهم، وخُبّرتُم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التَّوبيخ لهم والتقصير بهم؛ حتى يؤولَ أمرُهم إلى تبار وصَغار، وذلة وبوار، وفي ذلك لمن كان له رأي وموعظة عبرة يُنتفع بواضحها، ويتمسَّك بحظوتها؛ ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها.

ثم إن الله - وله الحمد والمنّ والفضل - هدي الأمة لأفضل الأمور عاقبةً لها في حَقْن دمائها، والتئام ألفتها، واجتماع كَلِمتها، واعتدال عَمُودها، وإصلاح دهمائها (٢). وذخر النعمة عليها في دنياها، بعد خلافَتِه التي جعلها لهم نظامًا، ولأمرهم قوامًا؛ وهو العهد الذي ألهم الله خلفاءه توكيَده والنظر للمسلمين في جسيم أمرهم فيه؛ ليكون لهم عندما يحدث بخلافائهم ثقةً في المفزع وملتجأ في الأمر، ولمًّا للشَّعَث، وصلاحًا لذات البَيْن، وتثبيتًا لأرجاء الإسلام، وقطعًا لنزغات الشيطان، فيما يتطلع إليه أولياؤه، ويُوثبهم عليه من تلَف هذا الدين وانصداع شَعْب أهله، واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه؛ فلا يريهم الله في ذلك إلّا ما ساءهم، وأكذب أمانيَّهم، ويجدون الله قد أحكم بما قضي لأوليائه من ذلك عُقد أمورهم، ونفي عنهم من أراد فيها إدغالًا أو بها إغلالًا، أو لما شدّد الله منها توهينًا، أو فيما تولّى الله منها اعتمادًا، فأكمل الله بها لخلفائه وحِزْبه البَرّ


(١) أفلج لله حجته: نصرها وأظهرها. القاموس المحيط ص ٢٥٨.
(٢) الدهماء: جماعة الناس. القاموس المحيط ص ١٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>