للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين أودعهم طاعته أحسن الذي عوّدهم، وسبّب لهم من إعزازه وإكرامه وإعلائه وتمكينه، فأمْرُ هذا العهد من تمام الإسلام، وكمال ما استوجب الله على أهله من المنَن العظام؛ ومما جعل الله فيه لمن أجراه على يديْه، وقضي به على لسانه، ووفّقه لمن ولّاه هذا الأمر عنده أفضلَ الذُّخر؛ وعند المسلمين أحسن الأثر فيما يؤثِر بهم من منفعته، ويتّسع لهم من نعمته، ويستندون إليه من عِزّه، ويدخلون فيه من وزره الذي يجعل الله لهم به منَعة، ويحرزهم به من كلّ مهلّكة، ويجمعهم به من كلّ فُرقة، ويقمع به أهل النفاق، ويعصِمهم به من كلّ اختلاف وشقاق، فاحمدَوا الله ربَّكم الرؤوف بكم، الصانع لكم في أموركم على الذي دلّكم عليه من هذا العهد؛ الذي جعله لكم سكنًا ومعولًا تطمئنون إليه، وتستظلون في أفنانه؛ ويستنهج لكم به مثْنَي أعناقكم، وَسِمات وجوهكم، وملتَقي نواصيكم في أمر دينكم ودنياكم؛ فإنّ لذلك خطرًا عظيمًا من النعمة، وإنّ فيه من الله بلاء حسنًا في سعة العافية؛ يعرفه ذوو الألباب والنيات المريِّئون (١) من أعمالهم في العواقب، والعارفون منارَ مناهج الرّشد؛ فأنتم حقيقون بشكْر الله فيما حفظ به دينكم وأمر جماعتكم من ذلك، جديرون بمعرفة كنه واجب حقه فيه، وحمده على الذي عزم لكم منه؛ فلتكن منزلة ذلك منكم، وفضيلته في أنفسكم على قَدْر حسن بلاء الله عندكم فيه إن شاء الله، ولا قوّة إلا بالله.

ثم إنّ أمير المؤمنين لم يكن منذ استخلفه الله بشيء من الأمور أشدَّ اهتمامًا وعنايةً منه بهذا العهد؛ لعلمه بمنزلته من أمر المسلمين، وما أراهم الله فيه من الأمور التي يغتبطون بها، ويكرمهم بما يقضي لهم ويختار له ولهم فيه جهده؛ ويستقضي له ولهم فيه إلهه ووليّه؛ الذي بيده الحكْم وعند الغيب، وهو على كل شيء قدير، ويسأله أن يعينه من ذلك على الذي هو أرشد له خاصة وللمسلمين عامَّة.

فرأى أمير المؤمنين أن يعهدَ لكم عهدًا بعد عهد، تكونون فيه على مثل الذي كان عليه من كان قبلكم، في مُهْلة من انفساح الأمل وطُمأنينة النفس، وصلاح ذات البين؛ وعِلْم موضع الأمر الذي جعله الله لأهله عصمةً ونجاةً وصلاحًا وحياة، ولكل منافق وفاسق يحبّ تلف هذا الدّين وفساد إهله وقْمًا وخسارًا


(١) ريأ في الأمر ترئية: نظر فيه وتعقبه ولم يعجل بالجواب. القاموس المحيط ص ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>