وبِرْذون فاره، ثم يسير بذلك كله بنفسه في وجوه أهل خراسان، فقال رجل من باهلة: كان قوم من المنجّمين يُخبرون نصرًا بفتنةٍ تكون؛ فبعث نصر إلى صدقة بن وثَّاب وهو ببلْخ - وكان منجمًا - وكان عنده، وألحَّ عليه يوسف بالقدوم؛ فلم يزل يتباطأ، فوجّه يوسف رسولًا وأمره بلزومه يستحثه بالقدوم، أو ينادي في الناس أنه قد خَلَع؛ فلما جاءه الرسول أجازه وأرضاه، وتحوّل إلى قصره الذي هو دار الإمارة اليوم؛ فلم يأت لذلك إلا يسير حتى وقعت الفتنة، فتحوّل نصر إلى قصره بماجان، واستخلف عصمة بن عبد الله الأسديّ على خُراسان، وولّي المهلبَ بن إياس العدويّ الخراج، وولّي موسي بن ورقاءَ الناجيَ الشاشَ، وحسان من أهل صَغَانِيانَ الأسديَّ سَمَرْقند، ومُقاتل بن عليّ الشُغديَّ آمُل، وأمرهم إذا بلغهم خروجُه من مَرْو أن يستحلبوا الترك؛ وأن يغيروا على ما وراء النهر؛ لينصرف إليهم بعد خروجه، يعتلُّ بذلك، فبينما هو يسير يومًا إلى العراق طَرَقَه ليلًا موليً لبني لَيث؛ فلمَّا أصبح أذِن للناس، وبعث إلى رسل الوليد؛ فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: قد كان في مسيري ما قد علمتُم، وبعثي بالهدايا ما رأيتم؛ فطرَقني فلان ليلًا، فأخبرني أنّ الوليد قد قُتل، وأن الفتنة قد وقعت بالشأم؛ وقدم منصور بن جمهور العراق، وقد هرب يوسف بن عمر، ونحن في بلاد قد علمتم حالتها وكثرة عدوّنا، ثم دعا بالقادم فأحلفه إنّ ما جاء به لحقّ! فحلف؛ فقال سلْم بن أحوز: أصلح الله الأمير، لو حَلفتُ لكنت صادقًا؛ إنه بعض مكايد قريش، أرادوا تهجين طاعتِك، فسِرْ ولا تهجِّنا. قال: يا سلم أنتَ رجل لك علم بالحروب، ولك مع ذلك حسن طاعة لبني أمية؛ فأمَّا مثل هذا من الأمور فرأيك فيه رأي أمَة همّاء (١).
ثم قال نصر: لم أشهد بعد ابن خازم أمرًا مفظعًا إلّا كنت المفزِعَ في الرأي؛ فقال الناس: قد علمنا ذلك، فالرأي رأيك. [٧/ ٢٠٩ - ٢٢٦].
* * *
وفي هذه السنة وجَّه الوليد بن يزيد خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفيّ واليًا على المدينة ومكة والطائف، ودفع إليه إبراهيم ومحمد ابني هشام بن
(١) الهماء: التي انكسرت ثنيتها. القاموس المحيط ص ٧٢.