قال: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال: فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرًا ذهبًا وأني آذيت رجلًا (والدبر بلسان الحبشة: الجبل) ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، فآخذ الرشوة، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار. فوالله إنه لعلى ذلك إذ نزل به من ينازعه في ملكه، قالت: والله ما علمنا حزنًا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف. قالت: وسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا؟ فقال الزبير بن العوام: أنا. قالت: وكان من أحدث القوم سنًّا. قالت: وله قربة فجعلوها في صدره، فسبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: ودعونا - الله عزَّ وجلَّ- للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده. قالت: فوالله! إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن؛ إذ طلع الزبير وهو يسعى، فلمع بثوبه؛ وهو يقول: ألا أبشروا؛ فقد ظفر النجاشي، وأهلك الله عدوَّه، ومكن له في بلاده. قالت: فوالله! ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها. قالت: ورجع النجاشي، وقد أهلك الله عدوه، ومكن له في بلاده. واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة". وإسناد أحمد إسناد حسن وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع (المجمع ٦/ ٢٧). وصححه العلامة شاكر (ح ١٧٤٠) والحديث أخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية (١/ ١١٥). (١) ذكر الطبري ما ذكر هنا بلا إسناد، ومعناه صحيح؛ أي أن في إسلام عمر وحمزة قوة للمسلمين آنذاك وهما يومئذ من أشداء قريش. وقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) الفتح (٧/ ٤١). =