معي مسلم بن ذكوان، فدخل فأخبره، فخرج الحاجب، فقال: مرْ مولاه بالرواح. قال مسلم: فانصرفت، فلما حضرت المغرب أتيت المقصورة؛ فلما صلَّى مروان انصرفتُ لأعيد الصلاة، ولم أكن أعتدّ بصلاته، فلما استويت قائمًا جاءني خَصيّ، فلما نظر إليّ انصرفت وأوجزتُ الصلاة، فلحقته، فأدخلني على مروان؛ وهو في بيت من بيوت النساء، فسلمتُ وجلست، فقال: من أنت؟ فقلت: مسلم بن ذكوان مولى يزيد، قال: مولى عتاقة أو مولى تباعة؟ قلت: مولى عتاقة، قال: ذاك أفضل؛ وفي كلّ ذلك فضل؛ فاذكر ما بدا لك، قلت: إن رأى الأمير أن يجعل لي الأمان على ما قلته، أوافقه في ذلك أو أخالفه؛ فأعطاني ما أردت، فحمَدت الله وصلَّيت على نبيّه، ووصفت ما أكرم الله به بني مَرْوان من الخلافة ورضا العامة بهم، وكيف نقض الوليد العُرَى، وأفسد قلوب الناس، وذمَّتْه العامّة؛ وذكرت حاله كلَّها، فلما فرغت تكلم؛ فوالله ما حمِد الله ولا تشهَّد، وقال: قد سمعت ما قلت، قد أحسنتَ وأصبت، ولنعم الرأي رأي يزيد؛ فأشهد الله أني قد بايعته، أبذل في هذا الأمر نفسي ومالي؛ لا أريد بذلك إلا ما عند الله؛ واللهِ ما أصبحت أستزيد الوليد، لقد وصل وفرض وأشرك في ملكه؛ ولكني أشهد أنه لا يؤمن بيوم الحساب، وسألني عن أمر يزيد، فكبّرت الأمر وعظمته، فقال: اكتم أمرك؛ وقد قضيتُ حاجةَ صاحبك، وكفيته أمر حَمالته، وأمرت له بألف درهم، فأقمت أيامًا، ثم دعاني ذات يوم نصفَ النهار، ثم قال: الحقْ بصاحبك، وقل له: سدّدك الله، امض على أمر الله؛ فإنك بعين الله. وكتب جواب كتابي، وقال لي: إن قدرتَ أن تطوى أو تطير فطِرْ، فإنه يخرج بالجزيرة إلى ستّ ليال أو سبع خارجة؛ وقد خفت أن يطول أمرهم فلا تقدر أن تجوز، قلت: وما علمُ الأمير بذلك؟ فضحك، وقال: ليس من أهل هوى إلّا وقد أعطيتهم الرّضا حتى أخبروني بذات أنفسهم، فقلت في نفسي: أنا واحد من أولئك، ثم قلت: لئن فعلت ذلك أصلحك الله؛ إنه قيل لخالد بن يزيد بن معاوية: أنّي أصبت هذا العلم؟ قال: وافقتُ الرجال على أهوائهم، ودخلت معهم في آرائهم؛ حتى بذلوا لي ما عندهم، وأفضوْا لي بذات أنفسهم.
فوّدعته وخرجت. فلما كنت بآمِد لقيت البُرُد تتبع بعضها بعضًا بقتل الوليد؛