للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنك لست على رأي شيبان؛ وإنما تقاتل لثأرك؛ فامنع شيبان من صلح نصر؛ فدخل على شيبان، فكلمه فثناه عن رأيه، فأرسل نصر إلى شيبان: إنك لمغرور؛ وايم الله ليتفاقمنّ هذا الأمر حتى تستصغرَني في جنبه (١).

فبينا هم في أمرهم إذ بعث أبو مسلم النَّضر بن نُعَيم الضّبي إلى هَراة وعليه عيسى بن عَقيل الليثيّ، فطرده عن هَرَاة، فقدم عيسى على نَصرٍ منهزمًا، وغلب النَّضْر على هراة، قال: فقال يحيى بن نُعَيم بن هبيرة: اختاروا إما أن تهلكوا أنتم قبل مُضَر أو مضر قبلكم، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: إن هذا الرجل إنما ظهر أمرُه منذ شهر، وقد صار في عسكره مثل عسكركم؛ قالوا: فما الرأي؟ قال: صالحوا نَصْرًا، فإنكم إن صالحتموه قاتلوا نصْرًا وتركوكم؛ لأنّ الأمر في مُضر، وإن لم تصالحوا نصرًا صالحوه وقاتلوكم، ثم عادوا عليكم، قالوا: فما الرأي؟ قال: قدّموهم قبلكم ولو ساعة؛ فتقرّ أعينكم بقتلهم. فأرسل شيبان إلى نصر يدعوه إلى الموادعة فأجابه، فأرسل إلى سَلْم بن أحوز، فكتب بينهم كتابًا، فأتى شيبان، وعن يمينه ابن الكِرمانيّ، وعن يساره يحيى بن نُعيم، فقال سَلْم لابن الكِرمانيّ: يا أعْوَر، ما أخلقك أن تكون الأعور الذي بلغنا أنَّه يكون هلاك مضر على يديه! ثم توادعوا سنة؛ وكتبوا بينهم كتابًا؛ فبلغ أبا مسلمٍ، فأرسل إلى شيبان: إنا نُوادعك أشهرًا، فتوادعنا ثلاثة أشهر؛ فقال ابنُ الكرمانىّ: فإني ما صالحت نصرًا؛ وإنما صالحه شيبان؛ وأنا لذلك كاره، وأنا موتور، ولا أدَع قتاله، فعاوده القتال؛ وأبى شيبان أن يعينَه، وقال: لا يحلّ الغدر، فأرسل ابنُ الكرمانيّ إلى أبي مسلم يستنصرُه على نَصْر بن سيار، فأقبل أبو مسلم حتى أتى الماخُوان، وأرسل إلى ابنِ الكرمانيّ شبلَ بن طهمان: إني معك على نصر،


(١) قال ابن الأثير: " وقال شعرًا يخاطب به ربيعة واليمن، ويحثهم على الإنفاق معه على حرب أبي مسلم:
أَبْلِغْ ربيعةَ في مَرْوٍ وفي يمنٍ ... أَنِ اغضبوا قبل أَلَّا ينفع الغضبُ
ما بَالُكُمْ تَنْشبُونَ الحرْبَ بينكُمْ ... كأَنَّ أَهْلَ الحِجَى عن رأيكُمْ غيُبُ
وتتركونَ عَدُوًّا قدْ أَحاط بِكُمْ ... مِمَّنْ تَأَشبَ لا دينٌ ولا حَسَبُ
لا عرْب مثلكم في النَّاس تَعْرِفُهُمْ ... ولا صريحٌ موالٍ إن هُمُ نُسِبوا
مَنْ كان يَسْألُنِي عن أَهْلِ دينهم ... فإنّ دينهُمْ أَنْ تَهْلِكَ العرَبُ
قَوْمٌ يقولون قولًا ما سعمتُ بهِ ... عن النَّبِيِّ ولا جاءَت به الكُتُب

<<  <  ج: ص:  >  >>