فقال ابنُ الكِرمانيّ: إني أحبّ أن يلقاني أبو مسلم، فأبلغه ذلك شبل، فأقام أبو مسلم أربعة عشر يومًا، ثم سار إلى ابن الكرمانيّ، وخلف عسكره بالماخُوان، فتلقاه عثمان بن الكرمانيّ في خيل، وسار معه حتى دخل العسكر؛ وأتى لحجرة عليّ فوقف، فأذن له فدخل، فسلّم على عليّ بالإمرة، وقد اتخذ له عليٌّ منزلًا في قصر لمخلّد بن الحسن الأزديّ، فأقام يومين، ثم انصرف إلى عسكره بالماخُوان؛ وذلك لخمس خلوْن من المحرّم من سنة ثلاثين ومئة.
وأما أبو الخطاب، فإنه قال: لما كثرت الشيعة في عسكر أبي مسلم، ضاقت به سَفيذنج، فارتاد معسكرًا فسيحًا، فأصاب حاجته بالماخُوان؛ - وهي قرية العلاء بن حُريث وأبي إسحاق خالد بن عثمان، وفيها أبو الجهم بن عطية وإخوته، وكان مقامه بسفيذنج اثنين وأربعين يومًا، وارتحل من سفيذنج إلى الماخُوان، فنزل منزل أبي إسحاق خالد بن عثمان يوم الأربعاء، لتسعِ ليال خلْون من ذي القعدة من سنة تسع وعشرين ومئة، فاحتفر بها خندقًا، وجعل للخندق بابين، فعسكر فيه والشيعة، ووكّل بأحد بابي الخندق مُصعب بن قيس الحنفيّ وبهدل بن إياس الضبِّيّ، ووكّل بالباب الآخر أبا شراحيل وأبا عمرو الأعجمي، واستعمل على الشُّرَط أبا نصر مالك بن الهيثم، وعلى الحرس أبا إسحاق خالد بن عثمان، وعلى ديوان الجند كامل بن مظفر أبا صالح، وعلى الرسائل أسلم بن صُبيح؛ والقاسم بن مجاشع النقيب التميميّ على القضاء، وضمّ أبا الوضاح وعدّة من أهل السقادم إلى مالك بن الهيثم، وجعل أهل نَوْشان - هم ثلاثة وثمانون رجلًا - إلى أبي إسحاق في الحرس.
وكان القاسم بن مجاشع يصلي بأبي مسلم الصّلَوات في الخندق، ويقصّ القصص بعد العصر، فيذكر فَضْل بني هاشم ومعايب بني أميّة، فنزل أبو مسلم خندق الماخُوان، وهو كرجل من الشيعة في هيئته؛ حتى أتاه عبد الله بن بسْطام؛ فأتاه بالأرْوقة والفسَاطيط والمطابخ والمعالف للدوابّ وحياض الأدم للماء؛ فأوّل عامل استعمل أبو مسلم على شيء من العمل داود بن كرّاز؛ فردّ أبو مسلم العبيد عن أن يضاموا في خندقه، واحتفر لهم خندقًا في قرية شوّال، وولى الخندق داود بن كرّاز، فلما اجتمعت للعبيد جماعة، وجّههم إلى موسى بن كعب بأبيوَرْد، وأمر أبو مسلم كامل بن مظفر أن يعرض أهل الخندق بأسمائهم