للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتقض صلح العرب، قال: ولما انتقض صلحُهم بعث نصر بن سيار إلى أبي مسلم يلتمس منه أن يدخل مع مُضر، وبعثت ربيعة وقحطان إلى أبي مسلم بمثل ذلك، فتراسلوا بذلك أيامًا، فأمرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما، ففعلوا، وأمر أبو مسلم الشيعة أن يختاروا ربيعة وقحطان؛ فإنّ السلطان في مُضَر، وهم عمال مروان الجعديّ، وهم قتلة يحيى بن يزيد، فقدم الوفدان؛ فكان في وفد مُضر عقيل بن معقل بن حسان الليثيّ وعبيد الله بن عبد ربه الليثيّ والخطاب بن محرز السُّلَميّ، في رجال منهم، وكان في وفد قحطان عثمان بن الكِرمانيّ ومحمد بن المثنى وسَوْرة بن محمد بن عزيز الكنديّ، في رجال منهم؛ فأمر أبو مسلم عثمان بن الكِرْمانيّ وأصحابه فدخلوا بستان المحتفز، وقد بسط لهم فيه؛ فقعدوا وجلس أبو مسلم في بيت في دار المحتفز، وأذن لعَقِيل بن معقل وأصحابه من وفد مُضر، فدخلوا إليه، ومع أبي مسلم في البيت سبعون رجلًا من الشيعة، قرأ على الشيعة كتابًا كتبه أبو مسلم ليختاروا أحد الفريقين؛ فلما فرغ من قراءة الكتاب، قام سليمان بن كثير، فتكلم - وكان خطيبًا مفوّهًا - فاختار عليَّ بن الكرمانيّ وأصحابه، وقام أبو منصور طلحة بن رزيق النقيب فيهم - وكان فصيحًا متكلِّمًا - فقال كمقالة سليمان بن كَثير، ثم قام مزيد بن شقيق السلميّ، فقال: مضر قتلة آل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعوان بني أمية وشيعة مَرْوان الجعديّ، ودماؤنا في أعناقهم، وأموالنا في أيديهم، والتّباعات قبَلهم، ونصر بن سيار عامل مروان على خراسان يُنفذ أمورَه، ويدعو له على منبره، ويسميِّه أمير المؤمنين؛ ونحن من ذلك إلى الله بُراء وأن يكون مَرْوان أميو المؤمنين، وأن يكون نصرٌ على هدىً وصواب، وقد اخترنا عليّ بن الكرماني وأصحابه من قحطان وربيعة، فقال السبعون الذين جمعوا في البيت بقول مزيد بن شقيق.

فنهض وفْد مضر عليهم الذّلة والكآبة؛ ووجَّه معهم أبو مسلم القاسم بن مجاشع في خيل حتى بلغوا مأمنهم، ورجع وفد عليّ بن الكرمانيّ مسرورين منصورين، وكان مقام أبي مسلم بآلين تسعة وعشرين يومًا، فرحل عن آلين راجعًا إلى خندقه بالماخُوان، وأمر أبو مسلم الشيعة أن يبتنوا المساكن، ويستعدوا للشتاء فقد أعفاهم الله من اجتماع كلمة العرب، وصيرهم بنا إلى افتراق الكلمة؛ وكان ذلك قَدَرًا من الله مقدورًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>