عدوّهم بعدلهم وحسن سيرتهم؛ حتى بدّلوا وظلموا، فسخط الله عزّ وجلّ عليهم، فانتزع سلطانهم، وسلط عليهم أذلّ أمة كانت في الأرض عندهم، فغلبوهم على بلادهم، واستنكحوا نساءهم، واسترقّوا أولادهم؛ فكانوا بذلك يحكُمون بالعدل ويوفون بالعهد، وينصرون المظلوم، ثم بدّلوا وغيّروا وجاروا في الحكم، وأخافوا أهل البِرّ والتقوى من عِترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلّطكم عليهم لينتقم منهم بكم لتكونوا أشدّ عقوبة؛ لأنكم طلبتموهم بالثأر. وقد عهد إليّ الإمام أنكم تلقونهم في مثل هذه العدّة فينصركم الله عزّ وجلّ عليهم فتهزموهم وتقتلونهم.
وقد قرئ على قحطبة كتاب أبي مسلم، من أبي مسلم إلى قحطبة: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد. فناهض عدوّك؛ فإنّ الله عزَّ وجلَّ ناصرك؛ فإذا ظهرتَ عليهم فأثخن في القتل.
فالتقوا في مستهلّ ذي الحجة سنة ثلاثين ومئة في يوم الجمعة، فقال قحطبة: يا أهلَ خراسان. إن هذا اليوم قد فضّله الله تبارك وتعالى على سائر الأيام والعمل فيه مضاعف، وهذا شهر عظيم فيه عيد من أعظم أعيادكم عند الله عزّ وجلّ، وقد أخبرنا الإمام أنكم تُنصرون في هذا اليوم من هذا الشهر على عدوكم، فالقوْه بجدّ وصبر واحتساب؛ فإنّ الله مع الصابرين. ثم ناهضهم وعلى ميمنته الحسن بن قحطبة. وعلى ميسرته خالد بن بَرْمك ومقاتل بن حكيم العكِّيّ، فاقتتلوا وصبر بعضهم لبعض، فقتل نباتة، وانهزم أهل الشأم فقتل منهم عشرة آلاف، وبعث قحطبة إلى أبي مسلم برأس نُباتة وابنه حيّة.
قال: وأخبرنا شيخٌ من بني عديّ، عن أبيه، قال: كان سالم بن راوية التميميّ ممن هرب من أبي مسلم، وخرج مع نصر، ثم صار مع نباتة، فقاتل قَحْطبة برجان، فانهزم الناس، وبقيَ يقاتل وحده، فحمل عليه عبد الله الطائيّ - وكان من فُرْسان قحطبة - فضربه سالم بن راوية على وجهه، فأندر عينه، وقاتلهم حتى اضطر إلى المسجد، فدخله ودخلوا عليه، فكان لا يشدّ من ناحية إلا كشفهم، فجعل ينادي: شَرْبة! فو الله لأُنقعنّ لهم شرًّا يومي هذا. وحرّقوا عليه سقف المسجد، فرموه بالحجارة حتى قتلوه وجاؤوا برأسه إلى قحطبة،