وزعمت السبئيّة الضُّلال، أن غيرنا أحقّ بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم! بم ولم أيّها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، وبصّرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هَلَكتهم، وأظهر بنا الحقّ، وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا، ورفع بنا الخسيسة، وتمَّ بنا النقيصة، وجمع الفُرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبرّ ومواساة في دينهم ودنياهم، وإخوانًا على سرُر متقابلين في آخرتهم؛ فتح الله ذلك منّةً ومنحةً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلما قبضه الله إليه، قام بذلك الأمر من بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحوَوْا مواريث الأمم، فعدّلوا فيها ووضعُوها مواضعها، وأعطوْها أهلها، وخرجوا خماصًا منها. ثم وثب بنو حَرْب ومَرْوان، فابتزّوها وتداولوها بينهم، فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينًا حتى آسفوه، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا، وردّ علينا حقّنَا، وتدارك بنا أمّتنا، وولي نصرَنا والقيام بأمرنا، ليمنّ بنا على الذين استُضعفوا في الأرض؛ وختم بنا كما افتتح بنا. وإني لأرجو ألّا يأتيَكم الجوْر من حيث أتاكم الخيرُ، ولا الفسادُ من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة، أنتم محلّ محبّتنا ومنزل مودَّتنا. أنتم الذين لم تتغيّروا عن ذلك، ولمَ يُثنكِم عن ذلك تحامل أهل الجور عليكم؛ حتى أدركتُم زماننا، وأتاكم الله بدَوْلتِنا؛ فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا؛ وقد زدتُكم في أعطياتكم مئة درهم، فاستعدُّوا، فأنا السفاح المبِيح، والثائر المبير.
وكان موعوكًا فاشتدّ به الوعَك، فجلس على المنبر، وصعد داود بن علي فقام دونه على مراقي المنبر فقال:
الحمد لله شكرًا شكرًا شكرًا، الذي أهلَك عدوّنا، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. أيّها الناس، الآن أقشعت حنادس الدنيا، وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، وطلعت الشمس من مطلعها، وبزغ القمر من مبزغه؛ وأخذ القوس باريها، وعاد السهم إلى منزَعه، ورجع الحق إلى نصابه؛ في أهل بيت نبيِّكم، أهل الرأفة والرّحمة بكم والعطف عليكم.
أيها الناس، إنا والله ما خرجْنا في طلب هذا الأمرِ لنكثر لُجيْنًا ولا عقيانًا، ولا نحفرَ نَهْرًا، ولا نبني قصرًا؛ وإنما أخرَجنا الأنَفةُ من ابتزازهم حقَّنا،