سار إلى خليج آخر فعبروا، ورأوا رَهَجًا فظنوه مروان، فبعث طليعة عليها الفضْل بن دينار ومالك بن قادم، فلم يلقوْا أحدًا ينكرونه، فرجعوا إلى صالح فارتحل، فنزل موضعًا يقال له ذات الساحل؛ ونزل فقدم أبو عون عامرَ بن إسماعيل الحارثيّ، ومعه شعبة بن كثير المازنيّ، فلقوا خيلًا لمروان وافوهم، فهزموهم وأسروا منهم رجالًا، فقتلوا بعضهم، واستحيوْا بعضًا، فسألوا عن مروان فأخبروهم بمكانه، على أن يؤمنوهم، وساروا فوجدوه نازلًا في كنيسة في بُوصير، ووافوهم في آخر الليل، فهرب الجند وخرج إليهم مروان في نفرٍ يسير، فأحاطوا به فقتلوه.
قال عليّ: وأخبرني إسماعيل بن الحسن، عن عامر بن إسماعيل قال: لقينا مروان ببوصير ونحن في جماعة يسيرة فشدوا علينا، فانضوينا إلى نخل ولو يعلمون بقلتنا لأهلكونا، فقلت من معي من أصحابي: فإن أصبحنا فرأوْا قلّتنا وعددنا لم ينجُ منا أحد؛ وذكرت قول بكير بن ماهان: أنت والله تقتل مروان؛ كأني أسمعك، تقول "دهيد ياجوانكثان"، فكسرت جُفْن سيفي، وكسر أصحابي جفونَ سيوفهم، وقلت:"دهيد ياجوانكثان"، فكأنها نار صُبّت عليهم، فانهزموا وحمل رجل على مرْوان فضربه بسيفه فقتله، وركب عامر بن إسماعيل إلى صالح بن عليّ، فكتب صالح بن عليّ إلى أمير المؤمنين أبي العباس: إنّا اتّبعنا عدوّ الله الجعديّ حتى ألجأناه إلى أرض عدوّ الله شبيهه فرعون، فقتلته بأرضه (١).
قال عليّ: حدثنا أبو طالب الأنصاريّ، قال: طعن مروان رجلٌ من أهل البصرة - يقال له المغود، وهو لا يعرفه - فصرعه، فصاح صائح: صُرع أمير المؤمنين، وابتدروه، فسبق إليه رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان، فاحتزّ رأسه، فبعث عامر بن إسماعيل برأس مروان إلى أبي عَوْن، فبعث بها أبو عون إلى صالح بن عليّ، وبعث صالح برأسه مع يزيد بن هانئ - وكان على شرَطه - إلى أبي العباس يوم الأحد، لثلاث بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئة، ورجع صالح إلى الفسطاط، ثم انصرف إلى الشام، فدفع الغنائم إلى
(١) لم نجد لشيخ المدائني (إسماعيل بن الحسن) ترجمة ولا للراوي عامر بن إسماعيل الذي شهد ذلك والله أعلم.