برؤوسهم إلى أبي جعفر، فنادى بالأمان للناس إلّا للحكم بن عبد الملك بن بشر وخالد بن سلمة المخزوميّ وعمر بن ذرّ، فاستأمن زياد بن عبيد الله لابن ذرّ فآمنه أبو العباس، وهرب الحكم، وآمن أبو جعفر خالدًا، فقتله أبو العباس، ولم يُجزْ أمان أبي جعفر، وهرب أبو علاقة وهشام بن هثيم بن صفوان بن مزيد الفزاريّان، فلحقهما حجر بن سعيد الطائيّ، فقتلهما على الزّاب، فقال أبو عطاء السِّنديّ يرثيه:
ألَا إنَّ عينًا لم تجُدْ يوم واسِطٍ ... عليك بجاري دمعِها لَجَمودُ (١)
عشيَّةَ قام النائحاتُ وشُقِّقَتْ ... جُيُوبٌ بأَيْدي مأْتمٍ وخُدودُ
فإن تُمْس مهجورَ الفِناءِ فربّمَا ... أقامَ به بعد الوفود وُفودُ
فإنك لم تَبْعُدْ على متعهّدٍ ... بلى كلُّ من تحت الترابِ بعيدُ
وقال منقذ بن عبد الرحمن الهلال يرثيه:
مَنَع العزاءَ حرارةُ الصَّدْر ... والحُزن عقدَ عزيمةِ الصبْرِ
لما سمِعْتُ بوَقعَةٍ شملتْ ... بالشيب لونَ مَفارقِ الشعْر
أفنى الحُماة الغُرَّ أَنْ عَرَضَتْ ... دون الوفاء حَبِائِلُ الغَدر
مالت حبائلُ أَمرهم بفتىً ... مثلِ النجوم حَفَفْنَ بالبدرِ
عَالَى نعِيَّهمُ فقلت له ... هَلَّا أتَيتَ بصيْحةِ الحشرِ!
لله درّك مَنْ زعمتَ لنا ... أَن قد حَوَتْه حوادثُ الدهر
مَن للمنابر بعد مَهْلَكِهم ... أو مَنْ يَسُدُّ مكارم الفخر!
فإذا ذكرتُهُمُ شكا ألَمًا ... قلبي لفَقد فوارس زُهْرِ
قَتلى بدِجْلَة ما يَغُمُّهُمُ ... إلا عُبابُ زَواخِرِ البحر
فلتَبْكِ نِسْوَتنا فوارسهَا ... خيرَ الحماةِ لياليَ الذُّعْرِ
وذكر أبو زيد أن أبا بكر الباهلي حَدَّثه، قال: حدثني شيخ من أهل خراسان، قال: كان هشام بن عبد الملك خطب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة ابنتَه على ابنه معاوية، فأبى أن يزوّجه، فجرى بعد ذلك بين يزيد بن عمر وبين الوليد بن
(١) ديوان الحماسة ٢: ٢٩٥ - بشرح التبريزي.