للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وأتوا قصر المنصور، فجعلوا يطوفون به، ويقولون: هذا قصر ربّنا؛ فأرسل المنصور إلى رؤسائهم، فحبس منهم مئتين، فغضب أصحابهم وقالوا: علام حبُسوا! وأمر المنصور ألّا يجتمعوا، فأعدُّوا نعشًا وحملوا السرير - وليس في النَّعش أحد - ثم مرُّوا في المدينة، حتى صاروا على باب السجن، فرموا بالنَّعْش، وشدُّوا على الناس - ودخلوا السجن، فأخرجوا أصحابهم، وقصدوا نحو المنصور وهم يومئذ ستمئة رجل، فتنادى الناس، وغُلّقت أبواب المدينة فلم يدخل أحد، فخرج المنصور من القصر ماشيًا، ولم يكن في القصر دابة، فجعل بعد ذلك اليوم يرتبط فرسًا يكون في دار الخلافة معه في قصره.

قال: ولما خرج المنصور أتِيَ بدابّة فركبَها وهو يريدهم؛ وجاء لمعن بن زائدة، فانتهى إلى أبي جعفر، فرمى بنفسه وترجَّل، وأدخل برْكة قبائه في منطقته، وأخذ بلجام دابة المنصور، وقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين إلّا رجعت، فإنك تُكْفَى، وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب القصر، وقال: أنا اليوم بوّاب، ونودي في أهل السوق، فرموْهم وقاتلوهم حتى أثخنوهم، وفُتِح باب المدينة، فدخل الناس.

وجاء خازم بن خزيمة على فرس محذوف (١)؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أقتلهم؟ قال: نعم، فحمل عليهم حتى ألجأهم إلى ظهر حائط، ثم كرُّوا على خازم فكشفوه وأصحابه، ثم كرّ خازم عليهم فاضطرهم إلى حائط المدينة، وقال للهيثم بن شعبة: إذا كَروا علينا فاسبِقْهم إلى الحائط، فإذا رجعوا فاقتلهم، فحملوا على خازم، فاطّرد لهم، وصار الهيثم بن شعبة كمن ورائهم، فقتِلوا جميعًا.

وجاءهم يومئذ عثمان بن نَهِيك؛ فكلمهم فرجع فرموْه بنشابة فوقعت بين كتفيْه؛ فمرض أيامًا ومات منها، فصلى عليه أبو جعفر، وقام على قبره حتى دُفِن، وقال: رحمك الله أبا يزيد! وصيَّر مكانه صلى حرسه عيسى بن نَهِيك، فكان على الحرس حتى مات؛ فجعل على الحرس أبا العباس الطوسيّ.


= أقرب إلى التصديق فقال: حدثني أبو مسعود والعمري عن الهيثم وغيره أن قومًا من أصحاب أبي مسلم من أهل خراسان كانوا يقولون بتناسخ الأرواح ... إلخ [أنساب الأشراف ٣/ ٢٣٥].
(١) فرس محذوف: مقصوص شعر الذنب. القاموس ص ١٠٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>