فقال له مولاه: ما رأيك؟ قد دنونا منهم، قال: انهزِموا على بركة الله، وموْعدكم بئر ميمون، فانهزموا؛ ودخلها الحسن بن معاوية، وخرج الحسين بن صَخْر - رجل من آل أوَيس - من ليلته، فسار إلى أبي جعفر تسعًا فأخبره فقال:"قد أنصف الْقَارة من رَاماها"(١)، وأجازه بثلاثمئة درهم.
قال: وحدّثني أيوب بن عمر، قال: حدّثني محمد بن صالح بن معاوية، قال: حدّثني أبي، قال: كنت عند محمد حين عقد للحسن بن معاوية على مكة، فقال له الحسن: أرأيت إن التحم القتال بيننا وبينهم، ما ترى في السريّ؟ قال: يا حسن، إن السريّ لم يزل مجتنبًا لما كرهنا، كارهًا للذي صنع أبو جعفر، فإن ظفرتَ به فلا تقتله؛ ولا تحركنّ له أهلًا، ولا تأخذنّ له متاعًا، وإن تنحّى فلا تطلبنّ له أثرًا، قال: فقال له الحسن: يا أميرَ المؤمنين، ما كنت أحسبك تقول هذا في أحد من آل العباس، قال: بلى، إن السريّ لم يزل ساخطًا لما صنع أبو جعفر.
قال: وحدّثني عمر بن راشد مولى عَنْج، قال: كنت بمكة، فبعث إلينا محمد حين ظهر الحسن بن معاوية والقاسم بن إسحاق ومحمد بن عبد الله بن عنبسة يدعى أبا جبرة، أميرهم الحسنُ بن معاوية، فبعث إليهم السريّ بن عبد الله كاتبه مسكين بن هلال في ألف، ومولى له يدعى مسكين بن نافع في ألف، ورجلًا من أهل مكة يقال له ابن فرس - وكان شجاعًا - في سبعمئة، وأعطاه خمسمئة دينار، فالتقوْا ببطن أذاخر بين الثنيّتيْن وهي الثنيّة التي تهبط على ذي طُوىً، منها هبط النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى مكة، وهي داخلة في الحَرم، فتراسلوا؛ فأرسل حسن إلى السريّ أن خلّ بيننا وبين مكة، ولا تُهريقوا الدماء في حرم الله، وحلف الرسولان للسريّ: ما جئناك حتى مات أبو جعفر، فقال لهما السريّ: وعليّ مثل ما حلفتما به؛ إن كانت مضت لي أربعة؛ منذ جاءني رسول من عند أمير المؤمنين، فأنظروني أربع ليال؛ فإني أنتظر رسولًا لي آخر، وعليّ ما يصلحكم، ويصلح دوابكم، فإن يكن ما تقولونه حقًّا سلّمتها إليكم؛ وإن يكن باطلًا أجاهدكم حتى تغلبوني أو أغلبكم؛ فأبى الحسن، وقال: لا نبرح حتى
(١) مثل، والقارة: قبيلة من عضل؛ وكانوا من رماة العرب.